أقداس البلاد الإسلامية واحشائها وجاست خلال الديار وأصبح أهلا عالة على البضائع الأجنبية حتى عادوا لا يتصورون الحياة والمعيشة بغيرها ولا يقضون حقوق الأعياد والأفراح إلا بها، وامتصت هذه البضائع أموالهم بل دماءهم كالإسفنج تشربتها في بلادهم، وصبتها في بلادها - وهكذا أصبح ما يكسبه المسلم بعرق جبينه وكد يمينه وبرز ميتة في أخلاقه، وعلى حساب دينه ينتقل إلى البلاد الأجنبية.
التجأت الحكومات الإسلامية لتحقيق مشاريعها العمرانية كما تقول أو لقضاء مأرب رجالها كما يقول الناس إلا الاستدانة من الدول الأجنبية فخفت لذلك ورحبت به ورضخت لها بعض المال على شروط تجارية وامتيازات سياسية، وأقبلت على البلاد الإسلامية تحلب ضرعها وتستخرج الذهب الوهاج وماء حياة الصناعة والتجارة (البترول) من بطونها وتهتبل فرصة العمل في أرضها فتنشط إرسالياتها وتنشر في أهلها المسلمين (رسالة الدين والحضارة) وتلحق عدواها الممعنين في الجهالة والفقر والبداوة، ويتهافت الفقراء الذين أجهدتهم الضرائب وتكاليف الحياة على أجورها وخدمتها تهافت الفراش على الضوء والجياع على المائدة وهكذا أُتصبح بلاد الإسلام بين أخطار من التنُّصر والإلحاد والاحتلال الأجنبي).
ثم هنالك (الطابور الخامس) وهو ذلك الأدب المسلوك المسموم الذي ولدته الثورة الفرنسية وارتضعته الفوضى الخلقية، والإباحة في أوربا وغذته الشيوعية، ذلك الأدب الخليع المستهتر الذي ينبت في القلوب النفاق، ويسقى غرس الشهوات ويقوّض دعائم العمران ويفسد نظام الأسرة ويسخر من كل فضيلة، ويستهين بكل أدب ونظام ويزين للقارئ مذهب اللذة والانتفاع وانتهاز الفرص ويلخص التاريخ ويوجز الفلسفة والعلم في حب الميل الجنسي، ويصور العالم كله كأنه ليس إلا ظهور هاتين العاطفتين وليس وراء ذلك حقيقة علمية أو مبدأ سام، أو غرض شريف.
وقد انتشر هذا الطابور في أنحاء العالم عن طريق الأدب، والروايات والمجلات والراديو، والسينما وتأثر به الحاضر والبادي وتحدثت به العواتق في خدورها، وصار ينخر صرح الحضارة الدينية والأدب الإسلامي حتى تسرب العطب اليوم إلى لبابه.
وهكذا أصبح العالم كله شعوباً وحكومات وأفراداً تحت سلطان المادية والجاه والشهوات، قد