عليه هموماً لا إرجاء لها وبعثت فيه شرها للمال لا نهاية له، وأجنحت عليه الحاية حجيما لا يسمع فيها إلا (هل من مزيد).
وما يكاد الشرقي يصل إلى هذه المنتجات وشروط الحياة على جسر من المتاعب والمصائب وعلى طريق من شوك وقتاد، ولا يكاد يتحلى بها إلا وتصبح هذه المستحدثات آثاراً عتيقة وأطماراً بالية، ويهجم عليه الغرب بطراز حديث من المنتجات والمصنوعات فينكص على عقيبه ويتزود لاقتنائها بالمال اللازم - بوجه مشروع أو غير مشروع - ولا يكاد يطلع بها على مجتمعه إلا ويرحل المنسوخ ويحل الناسخ - وهكذا لا يزال من حياته في جهاد مضن شاق، ومع المصانع الغربية والتصدير الغربي في رهان دائم يسبقه فيلحقه ويلحقه فيسبقه، ولا يزال من عيشه في مضض وغصص يتجرعه، ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت.
أفسدت المدينة الغربية والتجارة الغربية طبائع أهل الشرق وأذواقهم على اختلاف أجناسهم وأوطانهم، ألا منهم الفتاة وأطفأت فيهم جمرة الحياة، وأحدثت فيهم التخنث الأوربي. وأصبحت الفروسية العربية والنخوة التركية والفتوة الفارسية والبطولة الهندية والغيرة الأفغانية حديثاً من أحاديث التاريخ وأصبحت الحياة في حواضر الشرق بل وفي بواديه نسخة قاصرة ممسوخة من الحياة الغربية المصطنعة لها ضرائها وليست لها سرائها ولها الغرم دون الغنم.
أصبح الناس في كل بلاد من تيار الحضارة الغربية يسيل بهم سيلها الجارف ولا يملكون من أمرهم شيئاً وأصبح الوالد لا يملك ولده والعاهل لا يملك أهل بيته بل وأصبح الإنسان لا يملك نفسه أمام الهوى وانتقاد المجتمع اللاذع ووخز الضمير وغاص الناس في بحر المدينة إلى آذانهم فترى الصعاليك من العجم يغدون في حلة ويرجعون في أخرى، وترى الحفاة العراة العالة من العرب رعاة الثناء، يتطاولون في البنيان ويتفاخرون باقتناء السيارات الأمريكية من أحدث الطراز وأفخر الأنواع، حتى يخاف أن تنقرض الخيل العتاق من أرض الجزيرة التي ملأت التاريخ والأدب لجديتها وأخبارها.
شحنت البضائع الغربية أسواق الشرق الإسلامي وأنبتت شرائين التجارة الغربية وعروقها - وهي طلائع السيادة الغربية وسيطرتها السياسية وسهامها التي لا تطيش - في جوف