والبراهين، فذهب كل ذلك فيهم صدى وأجابه لسان الحال قائلا (قلوبنا في أكنه مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون).
قرأنا في حكايات (ألف ليلة وليلة) أن السندباد البحري وجد بيضة عنقاء فظنها لكبرها وضخامتها وملاستها قصراً من رخام فدار حولها لعله يجد باباً يدخل منه في داخل القصر ودار مراراً عديدة، ولكنه لم يجد باباً وعرف بعد ذلك أنها بيضة عنقاء لا قصر من القصور.
كذلك يدور الداعي حول هذه النفسية المستديرة التي استهوتها الدنيا، وغشى عليها حب المال أو الحياة فلا يجد فيها منفذاً منه إلى النفسية وينزل في أعماقها فيقطع منها الرجاء وينقلب منها خاسئاً وهو حسير.
روح هذا العفريت الجاهلي إذن هو الإخلاد إلى الأرض والرضى بالحياة الدنيا وعبادة المال والمادة. . .
هذا مقتل هذا العفريت وهذا أبهره ووريده.
وإنما ضاعت فصاحة الفصحاء، وخطابة الخطباء، وبلاغة المؤلفين، وأصحاب اليراع وإخلاص المخلصين وحكمة الحكماء لأنهم لم يضربوا على الوتر الحساس ولم يصيبوا العدو في مقتله.
بلغت المادية أوجهاً في عهد الاستيلاء الأوربي وأصبحت فلسفة وفناً وحياة ودنيا، وليس مظهر من مظاهر حياتها، ولا مركز من مراكز نشاطها اليوم إلا والفضل فيه يرجع إلى أوربا وسيطرتها السياسية والاقتصادية مباشرة أو بواسطة والى غزوها التجاري والعالمي.
نافس تجار الغرب بدافع من حب الغنى والثروة واحتكار الأموال - في الصناعة والانتاج وغزوا ببضائعهم الشرق وامتصوا بها دماءه، ولم يقض ذلك لبانتهم لأن نطاق الضرورة ضيق والجشع ما له نطاق فنافسوا في انتاج دقائق المدنية وفضول الصنائع وكماليات الحياة وصبوها على الشرق صباً واستغلوا سذاجة الشرق وحبه للدعة والفخر، فما لبثت هذه الدقائق والكماليات إن دخلت في أصول المعاش ولوازم الحياة في الشرق، وأصبح الذي لا يتحلى بها لا يعد من الإحياء، ولا يعامل في المجتمع معاملة سواء، وأخذت بتلابيب الشرقي وأذهلته عن الدين والآخرة، وعن كل شيء غيرها في الدنيا، وهاجت