للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذا بالإضافة إلى أن أسس الخبرات الشائعة في أي مجتمع من المجتمعات تختلف باختلاف طعومه الفنية ومراتب حضارته وأن أي عزم لبناء صرح جديد لابد وأن يسند بهذه الأسس.

وابتلى الأدب العربي بحملة المشاعل المستعارة، فهذا داعية جديد أمه فرنسا رشف لبنها واستطعم آدابها فملكته رقتها وأَسرته طرائق تصويرها وبهرته مناهج البحث الفرنسية فعاد يدعو لتطبيقها وافية كاملة. وهذا آخر لقف العلم في إنكلترا أو اتصل بعلومها وآدابها فانغمس في رومانتيكية الإنكليز وماع معها وهام في دنا أريافا ثم عاد يدعو إلى البساطة والتحلل من القيود قيود الشعر وتعقيدات النثر. . . وثالث ألماني الثقافة واقعي النزعة جاء يحمل على هذا الأدب الضعيف اللين المائع لأن القوة - في نظره - هي المظهر السامي للكائن الحي والأدب مظهر من مظاهر الحياة يصورها ويمثلها ويعالجها فلابد وأن يكون قوياً.

وأدب هؤلاء المجددين متلون وفق أهواء كل منهم، مصطبغ بنهج من درس عليه، متأثر بطرائق من أخذ عنه وتكاد أساليبه تمتاز بأنها أسلس قياداً للقارئ فلغته عذبة ألفها في حياته العامة، ليس فيها الغريب الشاذ ولا العميق المعقد. ولئن كان جرس الكلمة ورنين العبارة ومنسقة السبك هي أنصار الأسلوب القديم في إثارة مشاعر القاري فلا شك أن وضوح الفكرة وبساطة التركيب وطرافة الموضوع هي أهم ما يعتمد عليها الأسلوب الجديد في استهوائه نفوس قرائه.

وموضوعات هذا الأدب بنت الواقع تصوره وتعالجه فهي منه وإليه، ومعظمها إما من صميم حياتنا أو منقول مترجم. وفي الأولى ملح كوميدية عذبة وفي الثانية روائع رومانتيكية مزيدة.

وبين هاتين الفئتين المجددين ودعاه القديم تأرجح الأدب العربي، وبين الاثنتين تاه السبيل وطال عليه الأمد.

وفي الأجواء الجديدة تعالت صيحات حق صارخة من (الشاعرين بأنفسهم) الذين يؤمنون أن على الإنسان أن يستغل جميع خبراته ومواهبه في سبيل شيء واحد هو أن يعيش واعياً نافعاً متعاوناً؛ وهدف هؤلاء (أن يكون درس الأدب وتاريخه على منهج تصححه الخبرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>