للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العالم إنما هي الأفكار التي تنتشر كأنها محمولة على أجنحة الحمام. عليك أن تسير يا زارا كأنك شبح لما سيكون يوماً في آتي الزمان؛ وهكذا تندفع في سبيلك إلى الأمام وأنت تتولى الحكم

فقلت: إن الخجل يتولاني

فعادت تقول، ولا صوت لها: عليك أن تعود طفلا فيذهب خجلك عنك؛ إن غرور الشباب لما يزل مستولياً عليك لأنك بلغت الشباب متأخراً، ولكن على من يريد الرجوع إلى طفولته أن يتغلب على شبيبته

واستغرقت في تفكيري وأنا أرتجف، ثم عدت إلى تكرار كلمتي الأولى قائلاً: لا أريد. وعندئذ ارتفع حولي صوت قهقهة مزقت قلبي وصدعت أحشائي

وقالت (هي) للمرة الأخيرة: أي زارا، إن أثمارك ناضجة، غير أنك لم تنضج أنت لأثمارك، فعليك أذن أن تعود إلى العزلة لتزيد في قساوتك ليناً

وعاد الضحك يتعالى، فشعرت أنها انصرفت عني (هي) وعاد الصمت يسود بأعمق مما كان حولي، أما أنا فبقيت منطرحاً على الأرض سابحاً في عرقي

والآن، وقد أعلنت لكم كل شيء أيها الصحاب، فهأنذا أعود إلى عزلتي وما أخفيت عنكم شيئاً. أرحل عنكم بعد أن علمتكم أن تعرفوا من هو أشد الناس تكتماً ومن يريد أن يكون كتوماً

وا أسفاه، أيها الصحاب، إن لدي ما أقوله لكم أيضاً، ولدي ما أبذله، فلماذا لا أبذله الآن؟ ألعلني أصبحت شحيحاً؟

وما نطق زارا بهذا حتى أرهقه سلطان حزنه لأضراره إلى الرحيل، فبكى منتحباً وما تمكن أحد من تعزيته، ومع هذا ما أرخى الليل سدوله حتى ذهب زارا وحده تحت جنح الظلام متخلياً عن صحبه

(يتبع)

فليكس فارس

<<  <  ج:
ص:  >  >>