تلك ولا هذا - ويحك ألا تضحك قليلاً بل ألا تبتسم حتى يبدو اليسير الجميل من الدميم الكثير منك - فتظهر أسنانك البيضاء الناصعة فتشفع ولو قليلاً لسواد وجهك الحالك؟ فانهمرت العبرات من مآقي الشاعر البائس وقال لحافظ كيف اضحك وقد بت ليلة أمس كلها أعان الكرى من وطأة الطوى - اعطني اليسير مما رزقك الله - فبكى حافظ واستبكى سائر الجلساء وكانوا كلهم أولى المتربة والإملاق وجيوبهم من النضار بل من اللجين افرغ من البيداء من الماء - وقد كان حافظ اقلهم شقاء وبؤساً على رغم شهرته في الشقاء والبؤس.
بكى حافظ على إمام العبد وعلى نفسه وعلى سائر أصحابه ومد يده الى أحد جيوبه واخرج قطعتين من النقد قطعة من الذهب وقطعة الفضة أما قطعة الذهب فكانت جنيهاً إنكليزيا، وقطعة الذهب قرشاً صاغاً مصرياً؛ ألقى القطعتين على المائدة التي كانت بين الجلساء وقال لإمام العبد خذ القطعة التي تشاء من هاتين القطعتين. فتناول الإمام القرش وتلك الجنيه المتألق على وولى وهو يبكي؛ فلحق به حافظ واستحلفه أن يأخذ الجنيه وشدد عليه في ذلك وهو يأبى وكان بين المحسن والمستجدي البائس صراع عنيف؛ هذا يرفض الاستئثار بالجنيه ويكتفي بالقرش وذاك يصر على إعطاءه الذهب واستبقاء الفضة حتى تغلب بعد طول الصراع حافظ على الإمام ومضى هذا بالجنيه وتلك القرش لحافظ.