للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حتى لا يحملنا التشاؤم على اليأس وترك الكفاح، ثم نحاول أن نتلطف في الدخول على الطبيعة البشرية اللاهية اللاعبة فنقنعها بواجبات الجد والعمل في الأوقات القليلة التي لم يطلب الله في غيرها من الإنسان أن يؤدي عملاً؟

وكما تلطفت التربية في الدخول على طبيعة الأطفال، فعلمتهم مبادئ العلوم، ودربتهم على مبادئ الأخلاق عن طريق اللعب من غير شعور، ينبغي أن تفعل مثل ذلك مع الأطفال لكبار: الرجال والنساء. . . وتلك هي رسالة رجال الروح. . .

ولكن الدولة قد جنت على الحياة الروحية أكبر جناية حين أباحت الانتساب إلى الدين لمن لا تؤهله عقيلته، ولا ثقافته، ولا تكوينه الجسمي أن يكون قائداً من قواد الروح، وعنواناً جذاباً للدين. . . وإلى الآن لم يتيقظ كبار رجال الروح إلى ضرورة وضع حد لهذه الحالة مع أنهم يدرسون في علوم العقائد أن الله لم يرسل رسولاً إلا بعد الانتقاء والاصطفاء، وأنه لا بد أن يتحلى بالصدق والأمانة والتبليغ والفطانة والخلو من العيوب المنفرة. . .

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة فقد كان ذكياً قوياً جميلاً لطيف الروح دمث الأخلاق رحب النفس نظيف الجسم والثوب يمشط شعره ويعطر ثيابه ويخضب لحيته

ولقد عاش رسول الله بجسده عيشة رحبة كما عاش بروحه فسابق وصارع وركب وحارب ولبس الدروع واقتني السيوف والخيل وأكل من الطيبات وتمتع بالنساء، وأمر بالهرولة في السعي إظهاراً للقوة، واستعرض الجنود. . . ولذلك خضع لقوانين الأجسام ولم يشرد على المجتمع هائماً ولم يعش منطوياً على نفسه يأكل خواطره وتأكله خواطره

فكذابون أفاكون هم الذين يزعمون أن الله لا يريد أجسامنا، إنه ما خلق أرواحنا إلا فيها ولم نعرفه إلا من نوافذها وحواسها وهي أدوات علومنا وإحساسنا بالحياة، وهل نرى في الحياة غير الأجسام. . . إن حياة الروح الخالص لا تكون في الأرض إلا كلمعات البرق

لقد ضاع الحق من المسلمين لما أهملوا قوانين عالم الأجسام والتفتوا إلى عالم البدوات والأماني والأحلام والكلام. فضاعت القوة لما ضاع الحق فهما صنوان متلازمان: فالحق قوة، والقوة حق!

(القاهرة)

عبد المنعم خلاف

<<  <  ج:
ص:  >  >>