القاسية التي تحبسهم عن حياة المتاع الحلال والحرام الذي لم يبين لهم سبب معقول لتحريمه إلا الخوف من عذاب جهنم. والدين إذا لم يبن على الفكر والتعليل أو شك أن ينهار بناؤه، حتى في نفوس الدعاة إليه. وخصوصاً إذا كان ديناً يهيمن على شئون الدنيا ويقيم لها حدوداً كالإسلام
أمن الحق أن يوجه فكر الإنسان دائماً إلى الموت على أنه هو المطلوب الأول من الحياة؟
وهل من الحق أن نجعل المثل الأعلى للحياة الدينية هو التفرغ لما يسمى عند الناس بالعبادات؟
قال الغزالي:(واعلم أن العلم غذاء والدين دواء، فمن جعل الدواء غذاؤه مرض. . .)
وقول الغزالي هنا قول فصل، لأنه قول خبير في هذا المقام ومن قواعد الدعوة الإسلامية الأولى أن العامة والجماهير ينبغي ألا يحملوا على الورع والزهد والتزمت. . .
والقرآن يعترف بسلطان الحياة على النفوس ويقول:(زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث. ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب). ويقول:(اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد). ويكرر هذا المعنى في غير موضع. فلماذا نريد نحن أن نفرض للحياة صورة عقلية كلها جد مؤلم مستمر وصرامة. ونريد أن نحمل الناس عليها، مع أن العقل والشرع والتجربة الأزلية تقرر أن هذا مستحيل؟ وهل كل ما في الحياة إلا تكوين وتخريب كلعب الأطفال؟ وهل الرجال والنساء إلا أطفال كبار يلعبون في الحياة لعبها المعهود بالجمع والطرح؟
إننا نصنع من طين الأرض وموادها الميتة آلات تسعى وتطير وترى وتسمع. . . ثم نخربها بالاستعمال والامتهان ونكون غيرها وهكذا. .
إننا نشقى في جمع المال والاقتناء والاستكثار ثم نترك كل هذا لغيرنا يعبث فيه ويبدده. أليس هذا عبثاً أو شيئاً أشبه بالعبث في نتائجه؟ ولكننا محمولون على هذا من الطبيعة ولن نملك لأنفسنا غيره، ورجال الدين مثلنا مع أننا نعلم ما تقول الحياة وما قال القرآن عن الدنيا من أنها (متاع الغرور)
فلماذا لا ننظر إلى الحياة على حقيقتها هذه ثم لا نتشاءم من كثرة ظواهر الشرور فيها،