أن تحين سكرة الموت. . . وأما الصلوات وما وراءها مما يسمى عبادات، فهي فيض النفس بتلك المشاعر والأحاسيس والأفكار فيضاً يتمثل ويتشكل ويظهر في عالم الأجسام بعد امتلاء الروح. . .
والدليل على ذلك أن هذه الأعمال تكون باطلة إذا خلت من التوجه والنية. . . فكأنها مواقف (استعراض) لأجسام الذين تمثلت فيهم الحقيقة الدينية كمواقف استعراض الجنود الذين يجيشون لغاية ما، ولن يعد الجندي بلباسه وشاراته وسماته الظاهرة إلا إذا كان عامر القلب بمعاني الوطنية والغاية التي جند من أجلها.
شئ واحد ينبغي للإنسان أن يحرص عليه، حتى يحقق الغاية من خلقه: هو أن يحيى رب هذه الحياة بتحية بسيطة قبل أي عمل أو متاع، ومع كل ألم. . .
فإذا استطاعت التربية في بيوتنا ومدارسنا أن تجعل هذه الخاطرة الصغيرة عادة ملازمة للإنسان فقد قام الدين وأقيم أساسه في النفس، ثم تأتي سائر رسومه وأشكاله بعد ذلك فيضاً نفسياً وفعلاً اختيارياً
وإن إدراكنا لله في القرن العشرين يجب أن يكون أوسع منه عند جماهير الناس في القرون السالفة. وهذا منوط بالتربية، والنشأة الطبيعية تحت التأثير المباشر للطبيعة أقل ضرراً وإفساداً لنفس الطفل من التربية المغلوطة التي فيها مواريث ومقاييس فاسدة
والدين يجب أن يعلم على أنه بهجة وفرح بالحياة التي أتاحت لنا أن نعرف الله في هذه الرحلة السعيدة التي دعانا إليها على الزورق الأرضي
ولشد ما يغيظ ويؤلم أن ترى حياة التدين عند أكثر الناس ملازمة للكآبة والضعف والحزن والفقر!. . . وسوء الطريقة من دعوة الأغنياء والأقوياء للدين، هي التي حرمتهم منه وحرمته منهم، حتى صار معلوماً عند الناس أن عبادة الله لا تكون من قوة ولا غنى، وإنما تكون من الفقر والضعف الذي لا يملك على الأرض صرفاُ ولا نصراً. وعدم التفريق بين ما لابد منه في الدين لأنه ضروري وبين ما منه بد لأنه كمالي هو مما جنى على حياة التدين بعدم انتشارها بين الأغنياء والأقوياء
ثم إن مفاجأة الأغنياء والأقوياء بألحان الكآبة والحزن والموت والقبر وجهنم، وغمرهم بكثرة التكليفات التي لا يقوم بها إلا الورعون، هي التي جعلت نفوسهم تضيق بهذه القيود