نبحث فيها عن الله وأسراره. وما خلقنا بالأجسام إلا لنعرفه في عالم الأجسام. . .
علينا أن نلبس الحياة لبساً واسعاً شاملاً وأن نحسها في كل شئ إحساساً عميقاً. وتلك هي حقيقة عبادتنا. فالدين هو الإحساس بالحياة إحساساً دائماً يكون معه الفكر في الله مبدع الحياة. وبهذا أجد تفسير (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وبهذا التفسير تتبين غاية الخالق من خلق الناس متحققة واضحة جلية. أليس كذلك أيها الأخ البيروتي أو ليس كذلك أيها الأخ الآخر (ح. م)؟
فالإحساس الصادق بالحياة والعمل بمقتضى هذا الإحساس هو عبادة الله. وعلى هذا تكون كل حياة الإنسان في الأرض عبادة. . . حتى خدمته لنفسه وشعوره بلذاته المحللة وكشفه العلمي وعمله للرزق ما دام وراء كل أولئك فكر في الله وتنبه إلى سر إيجاده للحياة
وتبتدئ العبادة حين يحس الإنسان أنه دخل هذه الحياة مكرهاً من غير إرادة، فصبر على ما فيها من آلام ومشقات حتى يتوفى الله نفسه من جسده. . فالمنتحر كافر لأنه لم يتحمل آلام التجربة والاختبار في هذه الرحلة الأرضية التي لابد أن يكون وراءها غاية عقلية عند الذي دعانا إليها وحملنا عليها. المنتحر شخص وهبه الله الحياة فردها في وجهه. فما دمت قد شعرت أني لست أنا الذي خلق نفسي ودفع بها إلى هذا البيت الهائل العظيم فصبرت وانتظرت وفكرت في صاحبه دائماً فأنا عابد لله؛ لأنني صرت طائعاً مع أبناء الحياة، ومواكب الطبيعة التي تسير أمام عصا القهر طائعة ساجدة
والفرق بين أعظم القديسين وأعظم الكافرين هو اتجاه الفكر والنية إلى رب الحياة في كل عمل وفي كل وقت. . . فالقديس كل أعمال حياته مسبوقة باتجاهات ونيات منظور فيها إلى رب الحياة. . . والكافر كل حياته غفلات يأخذ بعضها برقاب بعض فلا يفيق منها إلا عند الموت. مع أنه حين يدخل متحفاً أو بيتاً جميلاً يسرع فكره إلى السؤال عمن بناه أو نظمه. . .
لقد أفسدنا المعاني الدينية بأخذها تقليداً من دون فكر وروح وإحساس بها وبتلقينها للأحداث قبل أوان تفتحها في أرواحهم وعقولهم بمناسباتها. فحسبنا العبادة هي أداء رسوم الصلوات والزكوات والصوم وغيرها. . . كلا! إن العبادة هي الإحساس الصادق بالحياة والشعور الملازم بالله والفكر فيه، وفي أسلوبه وتقليد أعماله في الطبيعة من أول الوعي للحياة إلى