للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فكيف يأبى النساك أن يعملوا للحياة عمل الله؟!

إنهم لم يعرفوه! فلو عرفوه لساروا على أسلوبه، ولأقاموا أسواق الحياة عامرة. . . لأنه خلقهم ليعمروها لا ليتركوها غامرة صامتة صمت الخراب والقبور. . .

إن حياة التأمل في الله بدون عمل قليلة المحصول جالبة للخبال (ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا)

الأجسام! الأجسام! هي أداة الحياة في الدنيا، فيجب أن نحيا بها حياة كاملة، ولا نعطلها في البحث وراء العالم الخفي. . . يجب أن نخرجها إخراجاً جميلاً قوياً فإنها محاريب من محاريب الطبيعة أيضاً. . . بل يكاد يكون الجسم الإنساني الجميل المكتمل أجمل شئ في الوجود. . .

لعل النساك يحرمون أنفسهم هنا لينالوا ما هناك؟. . . كلا! ليس وجود الآخرة معناه ألا نحيا هنا حياة طيبة بقدر ما تسمح به طبيعة الحياة الدنيا. . . إن الآلام هي سبب الكفر والجرائم التي تحرم من جنة السماء فلنحاربها ولنمحها إذا استطعنا لنضمن الرضا عن الحياة والرضا عن الله

لماذا ننشد نعيم الآخرة بشقاء الدنيا؟! ألا يجوز الجمع بينهما؟ بلى! وإلا فالحياة مأساة!

ويقيني أن صلاح الدنيا صلاح للآخرة

إن الدين لم يكلفنا بعمل أشق من الموت في سبيل الله وما معنى الموت في سبيل الله؟ أنه الموت لتكون كلمات الله هي العليا. ولن تكون كلماته كذلك إلا إذا سار الإنسان على أسلوب الله في الطبيعة فضمن سلامة الحياة من إجرام الغرائز السفلى وظلمها، فكأنه أشق عمل ديني فرضه الله وسيلة لإصلاح الدنيا. فصلاح الدنيا هو المطلوب الأول لأننا نحيا حياتنا هذه قبل حياتنا الأخرى

يقول النساك المعتزلون للحياة: إنهم يطلبون وجه الله بالعزلة. . . ولكن وجه الله الحقيقي لا يرى. . . وفي الحديث: (إن الله احتجب عن الأنظار، وإن الملأ الأعلى ليطلبونه كما تطلبونه أنتم). ذلك قول قالته أعظم نبوة رأتها الأرض، وعليه طابع جلالها وعمقها وصدق تجربتها في البحث عن وجه الله

ولكن صور وجه الله تظهر جلية رائعة في الطبيعة وفي آفاق الحياة الإنسانية، فعلينا أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>