للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مستقبلها؟ هذا سؤال قبله سؤال آخر: هل هي تدرك المصلحين وتعرفهم؟ نعم تدركهم ولكنها تحسدهم؛ لأن الغرائز السفلى وقوى الشر دائماً تسلط الحسد ليكون طليعة في الدفاع عنها وبقاء وجودها. .

قلوب الأنبياء والحكماء كقلوب الأطفال. . . لأنهم يرتدون دائماً إلى مبادئ الطبيعة وأوليات الحياة البسيطة التي لم تلتو مع ميراث النفاق الاجتماعي والإثم الصناعي. فهم دائماً ينظرون بفرحة وبهجة إلى الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكل شئ. . . وكل شئ. وكأنهم في ابتداء حياة جديدة كل يوم بل كل ساعة. . . وتترقى نظرتهم بترقي إدراكهم حتى ينتهي بهم الأمر إلى أن ينظروا إلى الوجود نظرة خالق الوجود! نظرة وراءها وصاية كل شئ واهتمام به وحرص على استمرار نفاذ قوانين الحق على سنة الله وطريقته

قد كان من الواجب على الإنسان أن يقلد أسلوب الله منذ وجوده. وأسلوبه يتمثل في العمل والصمت الدائم. . . ولكن الإنسان أخذ يلهو ويعبث ويتكلم! وفرح بالكلام وقضى في علوم الكلام دهراً طويلاً من عمره، حتى جاء العصر العملي الذي لا نزال في فجره وبواكيره. وهذا العصر العملي كثير البركات على الإنسان، إذ كشف له عن كثير من أبواب كنوز الطبيعة ومفاتيحها. وكان من أول الواجبات بعد هذا العصر أن يشرع الإنسان في تعديل غرائزه السفلي وتهذيبها (وتطويرها) حتى لا تشغله بسفالاتها القديمة وصراخها الصبياني

وإني لأعجب من العلماء الطبيعيين الذين كشفوا عن كثير من الأسرار العملية في الطبيعة، ثم استمروا بعد ذلك خاضعين للغرائز السفلى ومواريث التاريخ الجاهلي! كما أعجب من النساك والعباد الذين يتنسكون ويتركون الجهاد للحياة العملية والاندماج في موجاتها!

إن الله بنّاء بنى السماء والأرض والجبال. . . وصانع صنع جسام النبات والحيوان. . . وسقَّاءٌ يسوق السحاب الثقال. . . وزراع يخرج نبات كل شئ، ومعلم هدى كل شئ إلى طبيعته. . . وفنان طرَّز حواشي الوجود، وصبغ الخدود، وزركش الأرض بالورود، ورقق أنفاس الرياح، ونشر العطر الفياح، ورقرق الأنهار، وجلا النهر، وزين الظلام بالمصابيح الوضاء. . .

(فالجمال هو توقيع الله على الأشياء)!

<<  <  ج:
ص:  >  >>