إن هذا وما يماثله هو الحرج الذي لا يرضى الله به ولا يرضى به رسوله، ولا تقول به شريعة العقل والرحمة!
يقول أبن القيم (إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد، في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها وحكمة كلها، وكل مسالة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل!)
فالمعنى إذن في صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، أن الشريعة قد بنيت أحكامها على رعاية المصالح، ولما كانت المصالح تختلف باختلاف الناس، وتتكيف بتكيف الظروف والبيئات، وتتغير بتغير العوائد، اعترفت الشريعة بذلك ففتحت باب الاجتهاد وأباحت للناس أن يستنبط أولو الرأي منهم ما يصلح لهم، وينهض بهم في حدود ما رسمت وبينت
وآية ذلك أن الشريعة الإسلامية تركت كثيراً من الفروع من غير نص على أحكامها، وأنها تعني - قبل كل شئ - بالأصول العامة والمبادئ الأساسية، دون التفاصيل والجزيئات!
وفي هذا المعنى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها. وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها)
فهذه الأشياء هي موضع اجتهاد المجتهدين، وقوله (فلا تبحثوا عنها) أي فلا تطلبوا فيها نصّاً فتحرجوا أنفسكم. هذا معنى قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تَسْألوا عن أشياء إنْ تُبْد لكم تسؤكم، وإن تسألوا عنها حينَ يُنزَّل القرآن تبد لكم، عفا الله عنها، والله غفور حليم. قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين)
وليس اعتبار الظروف والأحوال، ورعاية الصالح العام، في الفقه والأحكام، بالشيء المستحدث، فقد وجد منذ وجد التشريع، وكان حيث كان الفقه والاجتهاد
وإننا نسوق أمثلة من أحكام الرسول، صلوات الله عليه، وأمثلة من أحكام الصحابة ومن بعدهم من الفقهاء والأمراء
١ - في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، أن قريشاً أهمهم أمر المخزومية التي