سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله؟ وهل يجترئ عليه إلا أسامة؟ فلما كلمه أسامة قال:(أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟ إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها!)
٢ - وروي أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تقطع الأيدي في الغزو
فهذان حكمان لرسول صلى الله عليه وسلم في شئ واحد هو الحد: تراه في الأول يصر على إقامته، ولا يقبل تعطيله، مع أن السارق امرأة من أكبر القبائل وأشرف البيوت، ومع أن أمرها أهم قريشاً وأزعجهم، ومع أن الشفيع صاحب من أحب أصحابه إليه!
وتراه في الثاني ينهى أن تقطع الأيدي في الغزو، فهل كان إصراره الأولى لأن أمراً كهذا لو دخلته الشفاعة، وقبلت فيه الوساطة، وفرق بين الشريف والوضيع، لضاعت الحكمة المقصودة فيه، وبطلت الغاية المرجوة منه!
وهل كان نهيه في الثانية إلا خشية أن يترتب عليه ما هو أضر على المسلمين، وأبغض إلى الله، وهو لحوق المقطوع بالعدو حمية وغضباً. ولكن التشديد الأولى، والتسامح في الثانية، يدعو إليهما أمر واحد وإن اختلفا ظاهراً، وهو الحرص على أمور المسلمين، أن يفضي إليها الخلل، أو يلحقها الاضطراب والفساد.
وقد روى مثل ذلك عن أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم:
١ - قال علقمة: كنا في جيش في أرض الروم ومعنا حذيفة بن اليمان، وعلينا الوليد بن عتبة، فشرب الخمر، فأردنا أن نحده، فقال حذيفة: أتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم فيطمعوا فيكم؟
فهل ترى فهم حذيفة، ونصيحته للمسلمين حين فهم ونصح إلا فقها تملية السياسية الرشيدة، والنظر الصحيح؟
٢ - وشبيه بهذا ما روى من أن سعد بن أبي وقاص كان قائد المسلمين يوم القاسية، فأتى بأبي محجن، وقد شرب الخمر، فأمر به إلى القيد فلما التقى الناس قال أبو محجن:
كفى حزناً أن تطرد الخيل بالقنا ... وأترك مشدوداً على وثاقيا!
ثم قال لامرأة سعد أطلقيني، ولك عليَّ إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في القيد،