فإن قتلت استرحمتم مني. فحلت وثاقه، فوثب أبو محجن على فرس لسعد يقال لها البلقاء، وكانت بسعد يومئذ جراحه فلم يخرج، ثم أخذ أبو محجن رمحاً وخرج فجعل لا يحمل على ناحية من العدو إلا هزمهم، وجعل الناس يقولون: هذا ملك! لما يرون من صنيعه، وجعل سعد يقول وهو يرقب المعركة: الضبر ضبر البلقاء والطعن طعن أبي محجن وأبو محجن في القيد!! فلما هزم العدو رجع أبو محجن فوضع رجليه في القيد، وقصت امرأة سعد على سعد ما كان من الأمر، فقال سعد: والله لا أضرب اليوم رجلاً أبلى هذا البلاء للمسلمين، فخلى سبيله! فقال أبو محجن: قد كنت أشربها إذ يقام علي الحد فأطهر منها، فأما إذ أبطلته عني فو الله لا أشربها أبداً
قال في أعلام الموقعين (إن سعداً قد اتبع في ذلك سنة الله تعالى فإنه لما رأى من تأثير أبي محجن في الدين، وجهاده وبذل نفسه لله ما رأى درأ عنه الحد، لأن ما أتى به من هذه الحسنات غمر هذه السيئة الواحدة، لا سيما وقد شام فيه مخايل التوبة النصوح وقت القتال، إذ لا يظن بمسلم إصراره في ذلك الوقت الذي هو مظنة القدوم على الله، وهو يرى الموت
وأيضاً فهو بتسليمه نفسه، ووضع رجليه في القيد اختياراً قد استحق أن يوهب له حده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: يا رسول الله، أصبت حداً فأقمه علي، فقال: هل صليت معنا هذه الصلاة؟ قال: نعم، قال: فاذهب فإن الله قد غفر لك حدك!)
وهذا هو الفقه!
٣ - ولقد كان عمر بن الخطاب، وهو في الفقه والعلم من هو، يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي المؤلفة قلوبهم، وأن أبا بكر كان يعطيهم، وأن الله يقول:(إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم. . . الآية) ولكنه مع ذلك كله لا يعطيهم، ويقول لهم: إن الله أعز الإسلام وأغنى عنكم، فإن ثبتم عليه، وإلا فبيننا وبينكم السيف!
فهو قد علل الإعطاء بالمصلحة، إذ كان الإسلام بحاجة إلى استرضاء هؤلاء وتأليف قلوبهم، فلما ارتفعت هذه الحاجة بعزة الإسلام، لم يبق إلى استمرار الحكم من سبيل
٤ - ولقد ولى زياد بن أبيه إمارة البصرة من قبل معاوية، فوجدها وكراً من أوكار الفساد، وموطناً من مواطن الفجور، فخطب فيهم خطبته (البتراء) التي كان بها أول من أعلن