لتحية ضيوفه، على مثل ما كان يعمل الجنرال فيجان، ولما قابلته أخذ يطوف بي في أنحاء الدار ويشرح لي محتوياتها ويشير بإعجاب إلى ما بذلته مدام كاترو في تهيئة حجراتها والحصول على الأثاث اللائق بها وكيف وفقت رغم ما يعترضها من صعاب في تنسيق الدار وجعلها صالحة لإقامة مندوب فرنسا الأعلى وقائد جيوشها.
والحقيقة أن الدار ظهر عليها في ردهاتها ومقاعدها وأركانها هذا الذوق الشامل الذي تفرغه يد السيدة إذا تولت بعنايتها تهيئة الدور الرسمية فتجعل منها بيوتا تصلح للاستقبال.
لقد كان الجنرال مرحا في كلامه مع المدعوين، ولما آن موعد انصرافهم أراد أن يتحدث حديثا خاصا معي فاستبقاني لديه على انفراد، والجنرال محدث لبق بدأ حديثه عن القاهرة وعن منزل في لبنان لشخص معين يسكن بيروت ويريد أن يؤجره للجنرال ومع ذلك يزج بأسماء معينة في مصر وضحك كثيرا من أساليب بعض الناس في حياتهم الخاصة والعامة، والحقيقة أن ابتداء الحديث السياسي عن صفقة فيها منزل للإيجار تحمل في ثناياها نكتة من إبداع النكت، وفي كلامه عن خلق هذا الوجيه الثري ما يجعل السامع يتجه اتجاها معينا نحو حكمه على كثير من الأمور، ولولا أن منافسة الجنرال من كبار القوم في بلادنا لما بدا أن لهذا الحديث موضعا، ولكن الجمع بين هذا ووضعه في الإطار الذي فتح الجنرال حديثه به يجعلني في حل أن أقول: أن الجنرال أعطى صورة واقعية لما كان يدور في تلك الأيام وأراد بظرف ولباقة أن يعرفني بالإشارة كما يقولون ما لم يرد أن يصرح به. ولكنه حينما تحدث عن هاشم بك الأتاسي: أشاد بوطنيته وإخلاصه لبلاده وقال: (أنه على رأيه دائما في أن قيام الدولة السورية وعلى رأسها هاشم بك أمر يرحب به ويكون من فخره إذا تم).
إننا معاشر الشرقيين تبدو لنا بعض الأمور وكأنها لا تستحق عنايتنا واهتمامنا: كما تبدو لنا أمور أخرى ذات أهمية خاصة مع أنها قد لا تترك أثرا لدى الغير، من قبيل هذا اعتزال هاشم بك للحكم فالأثر الذي يتركه في نفس الأوروبيين لا ينسى، وقد حدثني الجنرال فقال إنه دعي هاشم بك للغداء لديه وعلم إنه نزل في فندق أوريانت بالاس ولما انتشر خبر زيارته لدمشق تهافت الناس وذهبوا لرؤيته بالفندق وتحادثوا معه وأعربوا عن آمالهم في عودته. . . فهو رجل يتمتع بمنزلة خاصة لدى الشعب.
ذكر لي هذا عند كلامه عما يدور بخلده من ضرورة إبدال الوضع الذي قام مؤقتا في سوريا