للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عقب وفاة المغفور له الشيخ تاج الدين الحسني. ولكني لمست هذا الإنصاف لهاشم بك في صفوف الفرنسيين من أعداء الكتلة الوطنية نفسها. . .

وفي هذا الاجتماع الأخير لخص الجنرال ما قام به من جهود في الفترة الأولى لشهر مارس ١٩٤٣ فقال إن دائرة أحاديثه اتسعت رويدا رويدا فشملت عددا من السياسيين الممثلين لمختلف الأحزاب والدوائر في سوريا وأبدى رأيه في كل شخص وفي اتجاهات الأحزاب وتعاونها وتنافسها، وقد أطلعت بعد أيام على ما نشرته المفوضية على الصحف وقد أشارت إلى أن الجنرال يوالي استشاراته ويستمع إلى رؤساء الوزارات ورؤساء المجالس النيابية في الأحداث والأوضاع والحلول المقبلة - وزادت على ما سمعنا رؤساء الهيئات الاقتصادية والمالية وهذا ما لم يرد له ذكر في أحاديثه.

ولم يقتصر اتصاله على دمشق بل سافر إلى حلب وحمص ودعا إليه رؤساء العشائر والمناطق البعيدة وكان طول مدة شهر مارس في عمل مستمر واتصال دائم وكلما تعجلت السياسة البريطانية أو الأمريكية الأمور كان الفرنسيين أننا ندرس ونبحث ونستشير ونحقق حتى يأتي عملنا مطابقا للمصلحة العامة ولكسب الحرب. كتبت في كتاب الاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا ص ١٧ (أن الجنرل كاترو يجمع في شخصه بين القائد والسياسي معا وقد برهن على أنه صاحب عزيمة ودهاء، وفكرة ومقدرة) ص٧٧ وأزيد على هذا أنه محدث من الدرجة الأولى لا تغادر الابتسامة وجهه، وهو يشعرك من أول مقابلة أنك موضع ثقته وأنه يحدثك بصراحة تامة وهو لن يخفي عنك شيئا مما يجول بنفسه ولكنه في الحقيقة إذا تكلم لا يعطيك إلا ما يريد هو إعطاءه.

وإذا عرض لشخصيات معينة أعطاك عن كل واحدة منها صورة حية لا تكرهك في الشخص المعين، بل يرسم لك مزاياه فتخرج وتكاد تشعر بأن جميع الناس من أصدقائه وأنه معجب بالنواحي الطيبة التي لمسها في كل واحد منهم.

ولا أخفي على القارئ أن الجنرال كاترو ترك أثر عميقا في نفوس من اتصلوا به، فقد جاءني رجال لم يكونوا في يوم من الأيام من أصدقاء فرنسا، وأبدوا لي دهشتهم لهذا التطور الذي بدا من غير تهيئة في جانب الفرنسيين حتى صرح أحدهم يقول: أنه يكاد يصدق أن هذا الجنرال راغب كل الرغبة في أن يرى البلاد السورية متمتعة باستقلالها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>