الأطباء التي تخالف، وأوامر العسكري نفسه - إذ جاوز المرور إلى البائعين والبائعات - وأوامر التسعيرة؛ تلك الأوامر التي تهمل جميعاً ويجملها كل مأمور بها تحت قدمه ودبر أذنه؛ أو يحتال على التخلص منها بألطف الحيل وأعجب المحاولات. . . ويخلص الأستاذ من هذا إلى تقرير الحقيقة التالية وهي أن (فعل الأمر وحده لا يكفي في التنفيذ، وإنما يحمل على التنفيذ أمران ممتزجان أتم الامتزاج، فعل الأمر ونفسية الآمر. فإذا كانت نفسية قوية وجدت السامع تتخاذل نفسه أمام الأمر، وأحس أنه أمام قوة كهربائية هائلة، فاضطر إلى تنفيذ فعل الأمر رغم أنفه) إلى آخر ما ورد في المقال
ولقد فات الأستاذ في هذا الموضع الإشارة إلى نقطة دقيقة كان ينبغي أن يوطد عليها نظريته في الطاعة؛ تلك هي (شعور المأمور ونفسيته) لا حيال الآمر في قوة شخصيته وضعفها، بل حيال الأمر نفسه في نفعه له أو ضرره، وفي مبلغ إدراكه لهذا النفع أو الضرر
فالمريض لا يقرن أمر طبيبه بقوة شخصيته أو ضعفها، فينفذه أو يخل به بحسب ذلك. وإنما يقرنه بمبلغ شعوره الخاص إزاءه.
ولتوضيح هذا نقول إن أكثر المخالفة إنما تقع في دور النقاهة والإبلال من المرض، حين يستروح المريض نسيم العافية، ويرى أنه جاوز غمره الداء وسلم من مضاعفاته. فقد يدخل في وهمه إذ ذاك أن أوامر الطبيب إنما هي من قبيل الاحتياط والتوقي، فلا عليه من مخالفتها أو إهمال الدقة في تنفيذها، إذ الضرر في ذلك يسير محتمل، إن لم يكن وهماً متخيلاً قد لا يتحقق له وجود. ولو عرف المريض ما تجر عليه هذه المخالفة وتيقن سوء مغبتها، لما أقدم على خلاف الطبيب في أمر له، جل أو حقر.
ومثل هذا نقوله فيما يُرى من مخالفة أوامر الوعاظ والمعلمين، وأوامر التسعيرة، وأوامر العسكري نفسه (حين يجاوز المرور إلى البائعين والبائعات). . .
ويؤدي بنا تقرير هذه الحقيقة إلى إدراك السبب الذي حار الأستاذ في بيانه فتركه لقرائه. . . إذ أن مخالفة (عسكري المرور) في إشارته معناها الموت المحق تحت عجلات سيارة قادمة، أو قاطرة ترام مندفعة؛ وطاعة أمره هي النجاة بعينها من موت محتوم والسلامة من خطر مائل يستشعره القلب وتراه العين. وهل يتردد العاقل لحظةً في الاختيار بين سبيلين: