إلى التقسيم والترتيب في أطوار هذا الانتقال العجيب؟ وما بال أصحاب التناسخ يا ترى قد فكروا في انتقال روح الإنسان ولم يفكروا في انتقال الروح من الجماد إلى النبات أو من النبات إلى الحيوان؟
إنهم لم يفكروا في ذلك ولكن فكر فيه على نحو غير هذا النحو جماعة من شعراء (التطور) القديم ومنهم جلال الدين الرومي الشاعر الفارسي المشهور. فعنده كما يقول:(إن الإنسان في بداية أمره قد ظهر في عالم الجماد، ثم ترقى من هذا العالم إلى عالم النبات، ثم عاش هنالك شجرة من الشجر أو عشبه من العشب لا يذكر شيئاً مما كان فيه من تلك الحال المختلفة بين المعادن والحجارة الصماء، وصعد من طبقة النبات إلى طبقة الحيوان فلم يبق في ذاكرته أثر للطبقة التي كان فيها إلا ذلك الشوق الذي يميل به إلى الأوراق والأشجار ولا سيما في إبان الربيع وازدهار الرياض، كأنه الطفل الذي يهتدي إلى صدر أمه من حيث لا يدري سر هذه الهداية. . . وشاء الله بعد ذلك أن يرفعه من زمرة الحيوان الأعجم إلى صورة الإنسان حتى بلغ ما نعلمه من القوة والعقل والمعرفة، وما به من ذكر في هذه الحال لعيشته الأولى، وإنه ليترك في مصيره الأبدي، هذه العيشة التي هو فيها. . .)
فهذا انتقال من الرسخ إلى الفسخ إلى المسخ إلى النسخ على انعكاس في ترتيب التناسخ الذي يقول به التناسخيون ولا يقول به الصوفية المتطورون!. . .
والعجيب أن صاحبنا الخيام قد سلك بين هذه الزمرة وهذه الزمرة بشهادة أناس من الزمرتين، فقيل فيه إنه من المؤمنين بالتناسخ كما قيل فيه إنه من المؤمنين بارتقاء الأرواح في معراج الكمال إلى قدس الأقداس
زعموا أن الحكيم كان يتمشى مع مريديه عند مدرسة الحكمة والعلوم بمدينة نيسابور، وكانوا يرمون بعض جدرانها وينقلون إليها اللبن والحجارة على ظهور الحمير. فأبى حمار منها أن يدخل دار المدرسة أي إباء، وحاروا في دفعه إلى الدار وهو مصر على الوقوف دون ذلك أشد الإصرار، فلما رأى الحكيم ذلك منه تبسم ومال على أذنه يهمس بأبيات يقول فيها: أي هذا الذي ضل وعاد اليوم إلى مكانه وهو أضل سبيلاً!. . . إن أظافرك قد تجمعت فصارت حافراً، ولحيتك قد استدارت إلى موضع الذنب، فانتقلت من الأمام إلى الوراء. . .)