لا ريب أن في هذا الاكتشاف الذي أسجله اليوم على صفحات هذه المجلة رداً جديداً على أرسطو و (سانت هلير) ومقلديهما وإذنابهم القائلين باستقلال الفلسفة اليونانية وعدم تأثرها بالفلسفات الشرقية، كما أن فيه رداً بليغاً على ذلك الفريق الذي يحط من شأن العقلية الشرقية، لأن مذهب (المثل) - وهو أسمى ما أنتجته العقلية الغربية - هو مشيد على أساس هذه النظرية المصرية ما في ذلك لبس ولا ارتياب. وكما أن الفكرة هي التي تمنح الوجود للحوادث وتحفظه عليها، هي تحفظ الوجود الكامل كذلك على (رع) نفسه ولهذا السبب أهتم بأن يخلق العالم، لكي يظل اسمه حيا منبثاً في جميع عناصر الطبيعة، مذكوراً على السنة أفراد المخلوقات حتى يضمن لنفسه وجوداً كاملا من كل الوجوه، لأن تعقله هو لذاته لا يكفي في تحقيق الوجود الكامل إلا إذا خلا الكون من جميع ما سواه؛ أما وفي الوجود كائنات أخرى، فلا يتحقق له الوجود الأكمل إلا بتغلغل فكرته في كل قلب وجريان اسمه على كل لسان.
ومن هذا التغلغل نتج دور تفكيري عجيب، وهو أن الإله ضروري للإنسان بحيث لا يمكن وجوده إلا به، وأن الإنسان ضروري للإله بحيث لا يمكن استمرار وجوده الكامل إلا بتغلغل الإنسان إياه وتفكيره فيه ونطقه باسمه. ولا ريب أن هذه الدائرة قد أعلت من شأن الكهنة، لأنهم هم أكثر الناس ذكر للأسماء المعبودات، وبالتالي هم أكثر الناس تأثيراً في احتفاظ الآلهة بوجودهم الكامل.