كان المصريون يعتقدون أن الاسم هو كل شيء في الكائن وأنه لا كائن بدون اسم، أو أن الاسم هو الفارق الأوحد بين العدم والوجود. لهذا تقول الآية المصرية القديمة:(أن جميع الآلهة قد خرجوا من فم رع وأن رع هو الذي خلق كل عناصر الطبيعة). ومعنى هذا أن (رع) هو الذي سمى الآلهة والعناصر، وكان أول من نطق بأسمائها جميعاً ومن حيث إنه كان إذ ذاك وحده. فيكفي لإيجاد الإله أو العنصر أن ينطق باسمه فيما بينه وبين نفسه أو أن يفكر فيه لأن نطق الاسم باللسان ليس إلا تعبيراً عن المسمى الموجود أو الفكرة التي يحتويها القلب والتي هي جوهر الأشياء جميعاً وبدونها لا يفوز موجود بالكينونة. وقد ذهب كهنة (هيليو بوليس) أو مدينة الشمس إلى أن الفكرة لا تمنح الكائن الوجود فحسب. بل أنها هي التي تحفظ عليه وجوده الدائم، فإذا قدر على أي كائن ما أن يزول اسمه من فكرة الإله، فأنه يهوى في الحال إلى العدم المطلق. ولا احسب أن من العسير على الباحث المتقصي أن يستكشف عناصر (المثل الأفلاطونية) واضحة جلية في هذه الفلسفة المصرية التي سبقت أفلاطون بأكثر من ثلاثة آلاف سنة، لأن أفلاطون يعتبر جميع هذه الكائنات المادية التي تدب على الأرض خيالات لا حقائق، ولا يعترف بوجود حقيقي إلا لعالم (الفكر) المجرد عن علائق المادة وغواشي الطبيعة. أما هذه الوجود المشاهد بالمدركات الدنيا، وهي الحواس، فهو لا يزيد على أنه ظلال لعالم الحقيقة الذي لا تدركه إلا قوه البصيرة التي تخلص صاحبها من الشهوات الحيوانية؛ وأما هذه الظلال المشاهدة، فوجودها لا يحقق حقيقة الكائن لأنه وجود مؤقت فوق أنه خيالي. وإذاً، فلست أظنني في حاجة إلى إيضاح الرابط المتين الموجود بين نظرية أفلاطون هذه وبين قول المصريين:(إن الفكرة لا تحقق للكائن وجوده فحسب، بل هي وحدها التي تضمن له دوام هذا الوجود) أو قولهم: (إن جميع الموجودات قد خرجت من فم (رع) وإنه يكفي لإيجاد الكائن أن يجري اسمه على لسان (رع) بعد أن مر مسماه بقلبه، لأن اللسان ليس إلا معبراً عن الجنان)
أليس في تعبيرهم بأن الفكرة وحدها كافية لتحقيق الوجود وخلوده تصريح واضح بأن كل ما عدا الفكرة في الكائن لا يؤبه له؟ ثم أليس في قولهم: أن الموجودات كلها خرجت من فم (رع) إيذان بأن المادة المحسة لا يستحق منها بالوجود إلا فكرتها التي خطرت لرع وأن المحس منها لا قيمة له؟