الأخرى كل القوى الخلاقة في الاستنباط والاستكشاف والتفوق؛ فالتراث العلمي العالمي مزيج متآلف العناصر لكل الأمم شأن عظيم أو صغير في تقديم هذه العناصر أو تكييفها بشكل ما. إن مشعل العلم ينتقل من أمة إلى أخرى، وإذن لا يكون من الأمانة التاريخية أن تدعى أمه من الأمم السبق والفضل في أحد ميادين المعرفة. نحن لا ننكر أن الأمة العربية في القرون الأخيرة لم تحمل قسطها من الواجب العلمي، ولكن هذه الحقيقة لا تمنعها من أن تنشئ لها من جديد حضارة علمية مستقلة الطابع، وافرة الإنتاج.
تقف الصناعة في طليعة العوامل الرئيسية التي تفعل في خلق البيئة العلمية، فحيثما كانت الصناعة تجد العلم ربيباً لها في طور، ورائداً لها في طور آخر. وتطور الصناعة يرافقه دائماً تطور في العلم وارتقاء في سبل الاختراع والاكتشاف، كما أن تقدم الصناعة مظهر من أقوى مظاهر تقدم العلم. وبمعنى آخر، يعتمد العلم والصناعة كل على الآخر كالدوال الجبرية، أي زيادة في قيمة التغير الأول تزيد في قيمة التغير الآخر والعكس بالعكس
قد نرى أن كثيراً من الأبحاث الرائجة اليوم لا تحمل في ذاتها طابع النفعية والاستثمار، ولكننا لا نحكم عليها حكماً نهائياً بذلك، فربما تؤدي أخيراً إلى تطبيق عملي واسع، وتخدم الإنسانية خدمة مخلصة. فمن كان يدري مثلاً أن أبحاث فراداي النظرية المحض حول علاقة الكهرباء بالمغناطيس ستقود إلى اكتشاف المحرك والمولد؟ حتى عندما ما لا تدخل هذه الأبحاث في نطاق التطبيق فيكفيها أنها تزيد المعرفة، وتفتق ضروباً جديدة من الفهم لأسرار الكون وحقائقه
ولما قدرت الصناعة أثر العلم الكبير في تقدمها وكمالها، روجت بضاعة العلم. فالمصانع تشتري العلماء، وتبني لهم المخترعات الواسعة وتجهزهم بالآلات الدقيقة، وتبذل في سبيل البحث أموالاً طائلة، سواء كان البحث مقصوداً لذاته، أو مقصوداً لمنفعة المصنع. وبذا خلقت عدداً من العلماء الأفذاذ الذين يعود التقدم الصناعي إلى مهارتهم ونباهتهم وقوة ابتكارهم. يقول الأستاذ هكسلي ما معناه:(إذا استطاعت الأمة أن تبتاع رجلاً مثل (وط) أو ديفي أو فراداي بمائة ألف جنيه كان عملها صفقة رابحة)
إلا أن الصناعة العربية لم تقف على قدميها بعد، وهي متلمسة طريقها بيديها، فلا يمكننا الاعتماد إذن على هذا الركن الأساسي في خلق البيئة العلمية الصالحة. وعلى النقيض