للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأقطار ما يلقى كثيراً من الجهد في الظفر بحاجته من هذه الكتب والصحف والمجلات. ولقد يسرت مصر للأقطار العربية قراءة آثارها المطبوعة لما بلغت من خدمة الثقافة إلا أيسرها وأهونها، على أن ذلك يعود عليها بالمنفعة المادية والمعنوية جميعاً

نعم، إن مصر تيسر لبعض البلاد العربية استدعاء بعض المعلمين، ولعلها تنفق في ذلك شيئاً من المال، ولعلها تجد في ذلك شيئاً من الجهد، ولكن هذا من أيسر الأمر أيضاً. وتبعات المركز الممتاز الذي أتيح لها بين الأقطار العربية تفرض عليها أكثر من ذلك. ولست أذكر إلا أمرين اثنين، أحدهما قد أخذت مصر بأسبابه ولكن في بطء وتردد، وهو فتح أبواب مدارسنا ومعاهدنا للطلاب الشرقيين والعناية بهم إذا وفدوا على بلادنا، لا بأن نيسر لهم طلب العلم فحسب بل بأن نيسر لهم حياتهم في مصر أيضاً. وإني لأوازن بين ما تصنعه البلاد الأوربية لتحقيق العناية بالطلاب الأجانب وما نصنعه نحن فأوازن بين الوجود والعدم. ومع ذلك فأوربا حين تعنى بالطلاب الأجانب إنما تنشر الدعوة لنفسها وتستقدم الأجانب لينفقوا فيها أموالهم وليعودوا منها وقد تأثروا بها وأصبحوا لها رسلاً في بلادهم. فأما نحن فلسنا في حاجة إلى نشر الدعوة لأننا لا نطمع في شيء، ولأن الدعوة المصرية تنشر نفسها في الأقطار العربية لما تقوم عليه من الحب والمودة والإخاء. وإنما يجب علينا أن نيسر لطلاب الأقطار العربية الدرس والإقامة في مصر أداء للحق ونهوضاً بالواجب ووفاء للأصدقاء وصرفاً لهؤلاء الأصدقاء عن الرحلة إلى أقطار الغرب إن وجدوا في هذه الرحلة مشقة أو عناء.

والأمر الثاني دعوت إليه سراً منذ أكثر من عشرة أعوام حين تولى حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا وزارة المعارف للمرة الأولى. فقد شهدت مؤتمراً للآثار عقد في سوريا ولبنان وفلسطين. فلما عدت رفعت إلى الوزير تقريراً خاصاً طلبت فيه أن تنشئ مصر مدارس مصرية للتعليم الابتدائي والثانوي في هذه الأقطار. وكان الذي أثار في نفسي هذا الاقتراح ما رأيته من السلطان العقلي للمدارس الأجنبية على هذه الأقطار. وكنت أرى أن العقل المصري أقرب إلى العقل السوري والفلسطيني وأحرى أن يتصل به ويؤثر فيه تأثيراً حسناً من العقل الأمريكي أو الفرنسي. ولكن وزير المعارف حينئذ نبهني باسماً إلى أن ذلك ليس ميسوراً، فقد تريده مصر ولكن السياسة الأجنبية ستأباه من غير شك. وكان

<<  <  ج:
ص:  >  >>