فلم لا نقول على هذا القياس إنه حافل بالمعاني، وحافل بالمدركات، وحافل بالوحي والتعبير، وإن العبقري له حاسة في الروح تلتقط هاتيك المعاني والمدركات من حيث لا يحلم أحد بموقعها هناك؟؟
لم لا نفهم أن المحسوسات الذهنية التي تتناولها العبقرية لن تنفد بالتقاط الأذهان منها لأنها ليست بأجسام، وأن الشيء الذي ليست له مادة تنفد لن يرى على وضع واحد بل يرى على ألوف الألوف من الأوضاع حسب من ينظرون إليه وينفذون فيه؟
لم لا تكون الدنيا مفرحة محزنة، عادلة ظالمة، منظومة مشتتة، لأن هذه المعاني لا تتناقض في عالم الإلهام كما تتناقض السوداء والبيضاء في عالم العيان، وإنما يصعب التوفيق بينهما في إلهام واحد كما يصعب التوفيق بين مفاتيح المذياع، فنخرج إذا أدرناه جميعا من الفهم والنظام، إلى أصداء لا تقبل الفهم ولا النظام؟
إذا مرت بي حالة عابرة إلي جانب الحزن والقنوط قلت هي حالة صادقة في مفتاحها
وإذا مرت بي حالة عابرة إلى جانب الفرح والرجاء قلت هي أيضاً حالة صادقة في مفتاحها
ولم أقل إن العالم السرمدي ينحصر في هذه أو في تلك، ولكني أتلقى درساً من المذياع وأومن بأن السريرة الإنسانية أكبر - على الأقل - من صندوق الكهرباء، وإن عالم الإدراك أكبر - على الأقل - من مراكز الإذاعة، وأن الوصلة بين الطرفين أكثر على الأقل من الموجات القصار والوسطى والطوال