نعمله هو أن نقرأ كتاب هذه الأمة. ولكن أهميتها ترجع في أغلبها إلى هذه الحقيقة: انه كما ان الأفراد مختلفو الطبائع، كذلك الأمم، على نطاق أوسع، مختلفة الخصائص؛ فالامم، لاختلاف أقطارها ودرجات تعليمها وأنواع ثقافتها وتربيتها، لها وجهات نظر في المشكلات اليومية، ومشكلات الحياة والموت، تختلف إحداها عن الأخرى بعض الشيء. وهكذا تجلب الترجمة دما جديدا إلى أدب الأمة، وكثيرا ما تكون مصدر الهام ذي أثار عميقة.
واليوم انبعث من جديد الاهتمام بالروائيين الروس الأعاظم حتى لم يعد ممكنا العثور على نسخة من روايتي تولستوي العظيمتين (أنا كرنينا) و (الحرب والسلم). وإذا أسعد الحظ امرءا باقتناء نسخة ظل أصحابه يستعيرونها منه بلا انقطاع. ومن حسن الطالع حقا العثور على كتب دستوفسكي أو تشيخوف أو تور جنييف أو غيرهم من كتاب الروس القدماء برغم إن كتبهم يتكرر طبعها.
قرأت مرة في أحد كتب النقد الأدبي أن العمل الأدبي ذا الأثر الأعظم في إنكلترا في هذا القرن هو ترجمة كنستانس كارنت للروائيين الروس الأعاظم. هذا تقرير خطير، وهو يدل على مقدار ديننا لهذه المرأة الملهمة التي وقفت حياتها على ترجمة مؤلفات الآخرين حتى يقراها ويقدرها أبناء وطنها. وقلما ينال المترجم مثل هذا الثناء. ومن الثابت انه لا يكاد يوجد اليوم روائي لم يتأثر تأثرا عميقا بكتابات عظماء الروس. فكم من هؤلاء الذين تأثروا هذا التأثر ودانو للمؤلفين الروس هذا الدين الجليل كانوا يجدون الفراغ والعزيمة والصبر الكافية لتعلم اللغة الروسية الصعبة حتى يستمدوا هذا الإلهام بأنفسهم. كم منهم كان يفعل ذلك لو أن كارنت لم تقم بما قامت به؟ إن فرجينيا وولف هذه الروائية والناقدة البعيدة الصيت قالت في احدى مقالات كتابها النقدي كل دراسة للرواية الإنكليزية الحديثة مهما كانت عامة موجزة يجب ان تذكر التأثير الروسي، فإذا ما ذكر الروس لم يكد المرء يتمالك نفسه من الإفاضة في التحدث عنهم، لأنه من إضاعة الوقت ان يتحدث عن رواية غير روايتهم.) فهل بعد هذا ثناء على الرواية الروسية؟ والمرء حين يقرا الأدب الروسي الحديث تأخذه الدهشة والاستياء إذ يراه مقفرا كل الإقفار من هذه العظمة، من هذا الفهم الشاسع البعيد الذي فهم به الروائيون القدماء الدنيا وأبناء جلدتهم من البشر. ويظهر أن الروس المعاصرين، مع تفوقهم وامتيازهم في فن الرقص التمثيلي والسينما والمسرح،