قد أجدبت عقولهم في فن الكتابة. حقا ان روسيا السوفيتية لها كتابها، وكثير منهم قد ترجموا إلى الإنكليزية، ولكن أحدا منهم ليس في عظمة تولستوي أو دستيوفسكي، بل لايقرب من هذه العظمة أقل قرب. من الصعب تعليل هذا، ولكن العلة في نظري قد ذكرتها فرجينيا وولف في مقالة أخرى في نفس الكتاب حين قالت إن الخاصية المميزة للأدب الروسي هي انحصارهم الكاتب الروسي بروح الإنسان. فديتيوفسكي مثلا لا يهتم كثيرا بوصف حجرة أو منزل، بل لا يهتم بالصفات الجسدية لشخصياته، فهو مهتم بأرواحهم، ويوجه كل همه إلى وصف روح كل شخصية وكيف تقلبها واضطرابها. فلعل الأمر أذن هو أن الروح الروسية القلقة قد وجدت في نواح كثيرة ملجأ للراحة والاطمئنان في النظام الجديد، النظام الشيوعي. وبذلك قل اضطرابها وخفقانها عن ذي قبل. أضف إلى هذا أن التقلقل السياسي الذي عانته روسيا في السنين الخمس والعشرين الماضية لابد إنه كان له أثر سيئ على الأدب. لقد قرأت مجلدات عديدة من الأقاصيص القصيرة الروسية الحديثة ولم أجد بها إلا القليل مما يعد ممتازا، وكثير منها دعاية لا أدب.
ولكن لنعد إلى الروائيين الروس القدماء. كم من الناس الذين قرءوا تولستوي ودستوفسكي والآخرين يتذكرون اسم المترجم الذي مكنهم من قراءة هذه الروايات؟ الترجمة فن أبعد ما يكون عن العمل الآلي: هي تتطلب اكثر من مجرد معرفة اللغتين. هي عمل خالق بلا شك، والمترجم يستحق في الأوساط الأدبية من الشهرة أكثر مما يناله اليوم. المترجم لا ينال إلا نصيبا تافها من الجزاء المالي، ولا يكاد ينال شيئا من الثناء أو الذكر، مع أن عمله في الدرجة القصوى من الأهمية، وحتى أعاظم الكتاب لم يعدوا عارا عليهم أن يزاولوا هذا الفن - فما من شك أن الترجمة فن. فالشاعر الإنكليزي المشهور بوب ترجم أوديسة هومير من اللغة اليونانية، وإن كان لابد من الاعتراف أن بوب لم يكن المثل الأعلى للمترجم، إذ أن ترجمته وان كانت في حد ذاتها عملا أدبيا فائقا، فهي تحتوي من بوب على قدر أكبر مما تحتويه من هومير. حتى أن أحد معاصريه هنأه على عمله قائلا:(قصيدة بديعة يا بوب، ولكن ينبغي إلا تسميها هومير) والشاعر الفرنسي بودلير ترجم المؤلفات النثرية للكاتب الأمريكي إدجار ألان بو إلى الفرنسية، وترجماته تعد دررا من النثر الفرنسي بل أن شعره لم ينل في حياته إلا القليل من النجاح، حتى إنه كان يصف نفسه مفتخرا بأنه