ومعسكر الشيوخ منقسم على نفسه أيضاً، إلا أنه غير ثائر، لأن الغالبية من أجناده تعرف الرزانة وتؤثر النظام، إما للسن المتقدمة التي يتعبها الجلاد ولا تصبر على الوغى، وإما إيثاراً للعافية، واعترافاً بما فطرت عليه من ضعف
والحكومة مع ذاك تنظر إلى كل هذا لاهية ساهية، لا ترى أن تشغل الأدباء المسلطين على أنفسهم برحلة جميلة تدبرها لهم في مواقع العلمين أو بين أطلال ستالينجراد. . . ولا ترى، إن يسعها الترفيه عنهم بالمصيف والمرطبات وحمامات السباحة، أن تجندهم تجنيداً إجبارياً ليدرسوا لها مشكلات الأدب بعد الحرب، بما تشمله تلك المشكلات من مسائل اللغة والتعليم والكتابة والتأليف والزواج والطلاق والهجرة والحد من نشاط المهاجرين إلى مصر من شذاذ الأمم ولصوص البحار
الحكومة تنظر إلى الأدباء ساهية لاهية، لا ترى أن تشغلهم بشيء من جد الحياة أو من لهوها. والأدباء مسلطون على أنفسهم تشغلهم السفاسف، وتنتهب فراغهم الهنات الهينات، كأن هدير المدافع وقصف الطرابيد وأزيز الطائرات لا يصل إلى أسماعهم، وكأن الدنيا التي تجد في أوربا وفي المحيط الهادي تهزل في مصر، وكأننا فرغنا من علاج مشكلاتنا فلم يبق إلا أن نهدم أنفسنا!
فريق من أدباء الشباب برم ساخط ضائق بنفسه وبالدنيا لأن شيوخ الأدباء بارزون في الحياة المصرية وهم غير بارزين، ولأن القراء مقبلون على هؤلاء الشيوخ الأدباء ولا يقبلون على أولئك الشباب، فلا بد لهم إذن من أن يشبوها جذعة عليهم، ولا بد لهم إذن من أن يخلو الدنيا من أولئك الشيوخ الذين بنوا النهضة الأدبية والنهضة الفكرية في مصر وفي غير مصر من الأقطار العربية، ولا بد من أن يخلو لهم وجه الأرض في مصر وفي الشرق العربي يصولون وحدهم فيه ويجولون
ولكي يتم لهم ذلك فليس لهم بد من أن يكيلوا التهم لشيوخ الأدباء. فالعقاد عاجز ولا شأن له بالشعر، وطه حسين له كتب ركيكة محشوة بالأغاليط، والزيات يكتب بأسلوب معقد يعلو على أفهام القراء، وأحمد أمين رجل مصنف لا شأن له بالأدب ولا مذهب له في الكتابة. . . والمازني يلفق مقالاته من التفاهات. . . وعنان يسطو على جهود المؤرخين ويعزوها إلى نفسه، والجارم ينتهب معاني الشعراء وينظمها لنفسه ومع ذاك فهو يسفل بها ولا يعلو،