للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبيئاتهم، يغبر لهم وجه الحياة حينا فيبدو أثر ذلك عابساً في آثارهم، ثم يجنحون إلى التعزي والإيمان: فملتون في الإنجليزية مثلا على فرط ما لاقى من خذلان في حياتيه الفردية والعامة وما حل به من فقدان البصر، ظل وطيد الإيمان متطلبا للعزاء إلى منتهى حياته، وكتب ملاحمه في أواخر أيامه طلبا للترفيه عن نفسه ولكي (يبرر للناس أعمال الله)؛ والمتنبي في العربية رغم ما أصاب من إخفاق متوال في مطلب حياته الأسمى، الذي (جل أن يسمى)، ورغم ما كابد من حسد وكيد وعداوة، وما صب على الناس من قوارص كلمه، ظل أبدا (من نفسه الكبيرة في جيش وفي كبرياء ذي سلطان)، متدرعاً متأهباً للجلاد.

وإن يكن هناك مجال للمقابلة، فالأدب العربي لا شك أكثر اصطباغاً بالتفاؤل والإيمان، على كثرة ما به من الشكوى؛ والأدب الإنجليزي أحفل منه بآثار التشاؤم، ولاسيما في العصور الحديثة التي زادت الحياة فيها تعقدا ووطأة؛ وإنما يبث ذلك التفاؤل في المجتمع والأدب العربيين أمران: صحو الجو الذي يعدل المزاج ويبعث البشر والطلاقة، والدين الإسلامي الذي يبث الإيمان في النفوس ويحض على اجتلاء متعات الحياة التي أحل الله، والذي هو كما تقدم القول أكثر تغلغلا في سرائر معتنقيه، وشمولا لجوانب حياتهم من غيره من الأديان.

فخري أبو السعود

<<  <  ج:
ص:  >  >>