ويقصدون إلى مكة في كتائب جرارة، وفي غداة وصولهم يبدو لهم الحاكم على الركن اليماني من الكعبة، وهو يشهر بيده سيفاً مذهباً، ثم يدفعه إلى حمزة بن علي فيقتل به الكلب والخنزير وهما عندهم رمز الناطق والأساس؛ ثم يدفع حمزة السيف إلى محمد (الكلمة) وهو أحد الحدود الخمسة، وعندئذ يهدم الموحدون الكعبة ويسحقون المسلمين والنصارى في جميع أنحاء الأرض، ويملكون العالم إلى الأبد، ويبسطون سلطانهم على سائر الأمم، ويفترق الناس عندئذ إلى أربع فرق. الأولى الموحدون وهم (العقال) أو (العقلاء) والثانية أهل الظاهر وهم المسلمون واليهود والثالثة أهل الباطن وهم النصارى والشيعة، والرابعة المرتدون وهم (الجهال)(الجهلاء)؛ ويعمد حمزة إلى أتباع كل طائفة غير الموحدين فيدمغهم في الجبين أو اليد بما يميزهم من غيرهم، ويفرض عليهم الجزية وغيرها من فروض الذلة والطاعة، وأما أصحابه فالعقلاء منهم يصحبون أرباب السلطة والمال والجاه في سائر أنحاء الأرض
والظاهر أن هذه المزاعم الأخيرة في سحق أنباء الأديان الأخرى مستمدة من أقوال حمزة ذاته في رسالته المسماة (النهاية والبلاغ في التوحيد) إذ يقول: (وعن قريب يظهر مولانا جل ذكره سيفه بيدي، ويهلك المارقين ويشهر المرتدين، ويجعلهم فضيحة وشهرة لعيون العالمين؛ والذي يبقى من فضلة السيف تؤخذ منهم الجزية وهم صاغرون، ويلبسوا الغيار وهم كارهون)
تلك هي نظرية الدعاة السريين ومزاعمهم في غيبة الحاكم وفي رجعته، وهي نظرية في منتهى الإغراق والجرأة؛ بيد أنه لا ريب في سخفها؛ وقد ألفى الدعاة بعد انهيار دعوتهم في مصر، ملاذا لهم في الشام، فوجهوا إليها أنظارهم، وحاولوا بشروحهم ومزاعمهم الجديدة أن يستبقوا ولاء شيعتهم وأنصارهم هنالك، ومازالت ثمة بقية من شيعتهم إلى يومنا وهم طائفة الدروز
بيد أن الدعاة لم يكونوا مبتدعين أيضا في نظريتهم الجديدة؛ فقد رتبوا فكرة اختفاء الحاكم ورجعته على فكرة قديمة هي فكرة بعض غلاة الشيعة في المهدي المنتظر؛ ومنذ عصر علي بن أبي طالب تتبوأ هذه الأسطورة مكانها؛ ويزعم هؤلاء الغلاة وهم الرافضة، أن عليا لم يمت، ولكنه حي غائب عن أعين الناس مستقر في السحاب، صوته الرعد، والبرق