صوته؛ ومنهم من يقول مثل هذا القول في ابنه محمد بن الحنفية، وأنه مستقر في جبل رضوى من أعمال الحجاز؛ ويقول آخرون وهم الاثنا عشرية إن هذا الإمام المنتظر هو محمد بن الحسن العسكري (وهو أيضا من ولد علي) وأنه لم يمت، ولكنه اختفى وغاب عن الأنظار، ولا يزال مختفيا إلى آخر الزمان، ثم يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا
فالقول باختفاء الحاكم مستمد من هذه الأسطورة القديمة؛ وقد كانت هذه الأسطورة، أعني أسطورة الغيبة والرجعة، وما يكتنفها من الرموز والغموض، مبعث الخفاء دائما؛ وكان هذا الخفاء ذاته مبعث الخشوع والروع في المجتمعات الساذجة المؤمنة؛ وكان مبعثا لأكثر من دعوة بالنبوة والإمامة؛ بل كان مبعثا لدعوى الألوهية ذاتها؛ أليس منتهى الخفاء والروع أن يغيض الحاكم على هذا النحو إلى حيث لا يعلم أحد؟ وقد رأى الدعاة أن يستغلوا هذا الخفاء في تأييد دعوتهم، وأن يبثوا بين المؤمنين جوا من الرهبة والخشوع لذكرى ذلك الذي اختفى ليعود حين تحين الساعة، والذي (يرى ولا يرى)
على أن هناك نقطة غامضة في موقف الدعاة إزاء هذا الاختفاء إذا سلمنا بان الحاكم اختفى ولم يقتل؛ ذلك هو الدور الذي يحتمل أن يكون قد أداه الدعاة في هذا الاختفاء ذاته. فهل للدعاة يد ما في هذا الاختفاء؟ وهل دبروه أو اشتركوا في تدبيره؟ أليس من المحتمل أن يكون الدعاة هم الذين اقنعوا الحاكم بأن يختفي تقوية للدعوة، وتمكينا للزعم بألوهيته لدى الأولياء والكافة؟ بل نستطيع أن نتساءل أيضا، أليس من المحتمل أن يكون الدعاة قد فكروا في اغتيال الحاكم خدمة لدعوتهم، وانهم دبروا مؤامرة لاغتياله أو اشتركوا في تدبيرها واستطاعوا أن يحكموا تدبير جريمتهم، لكي يستغلوا بعد ذلك فكرة الاختفاء على النحو الذي أسلفنا؟ هذه أسئلة قد تخطر على الذهن في مثل هذا الموطن، خصوصا وقد كان حمزة وصحبه أهلا لكل اجتراء، ولا تبعد فكرة الجريمة عن أولئك الذين اجترءوا على زعم الألوهية البشرية، وسفكوا في سبيلها دماء الأبرياء؛ بيد أن هذه مسائل يحيط بها الظلام المطبق، ولا يقدم التاريخ إلينا عنها أية لمحة أو ضياء، ومن المستحيل أن نعاملها بأكثر من فروض عارضة، وستبقى أبد الدهر على التاريخ لغزاً مغلقاً.
بيد أنه من الغريب أن تلقى هذه الفروض المغرقة سبيلها إلى دوائر البحث الحديث. فنرى المستشرق فون ميللر مثلا يأخذ بنظرية اختفاء الحاكم، ويعلق عليها بما يأتي: