للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مراء فيه أنه احتفظ بقلبه وحبه لها دون بنات حواء جميعاً. . . وشاء الحب أن يختم ألم السنين بهذا الزواج. فقال أناس: إنه إذا كان الحب قد حكم أن يدعوهما دواماً إلى حدائق القبة وبساتين غمرة، فالزواج لا شك محتبسهما في بيته إلى الأبد، وأنه لن يرى بعد ذاك اليوم صابر أفندي إلا حين ذهابه إلى مصلحة الميكانيكا والكهرباء، أو عند أوبته منها. وصدقت فراستهم، ولكن شهراً واحداً رؤى الشاب بعده ذات مساء يغشى قهوة كان دائم التردد عليها أيام عزوبته، وقد نفخت فيه الحياة الجديدة نضارة وسعادة، فبدأ أنيقاً جميلاً، فلم يدهش لذلك رفاقه وتلقوه فرحين. . . فمضى يغيب حيناً ويعاود أحياناً، ثم اختفى ردحاً طويلاً فظنوا جميعاً أنه آثر هدوء البيت على ضجيج القهوة، ولكن واحداً ممن يتطوعون لإذاعة الأخبار قال إنه يراه كل مساء يجلس أمام (صالون الكمال) في شارع قمر لا يبرح مكانه حتى يغلق (الصالون) أبوابه حوالي الساعة العاشرة. فوقع القول من النفوس موقع الدهشة وتساءلوا عما يغري صاحبهم بتجنبهم وملازمة صالون الكمال. وكان بينهم خبثاء متطفلون فلم يهدأ لهم بال حتى أرسلوا رسولاً منهم يستطلع الخبر. وعاد الرسول بما هو أدعى إلى الدهشة، والإنكار قال: إن صابر عبد الخالق يسعى وراء حب جديد، وإن التي شغفته حباً هذه المرة معلمة بروضة الأطفال تقيم بشقة في العمارة رقم ١٠ بشارع البستان المواجه لصالون الكمال. . .

كيف أمكن أن يحدث هذا التحول الغريب؟ هل خبا الحب الذي صمد للشدائد عشر سنوات بهذه السرعة؟. . . ترى هل خنقه الملل في شهر وبعض شهر؟. . . أم بددته الخيبة وانقشاع الأوهام؟. . . وكيف مكن أن ينزع قلبه إلى امرأة أخرى بهذه السهولة بعد أن تعود على حب زوجة ذاك الدهر الطويل؟!

قبل أن نجيب على هذه الأسئلة ينبغي أن نعرف أكثر مما عرفنا إلى الآن من هو صابر عبد الخالق؟

هو شاب في الثلاثين له فضائله وله رذائله مثل جميع الناس. فمن فضائله احترامه لنفسه وحرصه على كرامته ومحافظته على آداب البيئة وتقاليدها المتوارثة، وإن كان يشوب حماسه لهذه الفضائل ضيق آفاقه وانحصار ذهنه وضحل ثقافته مما يجعله ينحدر في كثير من الأحايين إلى الصلف والتعصب. وأما رذائله فهي أدنى إلى الفكاهة منها إلى الشر

<<  <  ج:
ص:  >  >>