وتدور جميعها حول الغرور، والغرور الموجه إلى مزاياه الجسمانية قبل كل شيء. نعم لا أنكر أنه عظيم الثقة بمواهبه العقلية وقدرته الفنية كمهندس قليل النظير، ولكن تيهه بحسنه واعتداده بجماله يفوقان كل تقدير. وليس ثمة شك في أنه يحظى بقسط من الوسامة والجمال فقد خلق الله له عينين سوداويين يظلهما حاجبان مقرونان، وأنفاً مستقيماً. ولكن عجبه فاق حسنه كثيراً وغلب أثره على فعاله وأقواله، وكان أمراً ملحوظاً لدى رفاقه منذ الصغر فاستبقوا إلى العبث به تارة بإطراء جماله، وتارة بإبداء إشفاقهم على الحسان من وقعه وفعله. فما خطر له على بال أنهم يهزأون به؛ وازداد عجباً وما عتم أن غدا عجبه داء لا شفاء منه. ولذلك كان احب الأشياء إلى نفسه أن يقف أمام المرآة يطالع صورته المحبوبة وقوامه الرشيق ويطيل النظر إلى عينيه الدعجا وبين ثغره المليح المفتر عن ابتسامة وضاءة، المكلل بشارب (كلارك جابل). كما كان أشق الأمور على نفسه أن يسعى إلى اقتناء بذلة يلف بها حسنه وشبابه. فما كان يطمئن ذوقه حتى يطوف بمحلات القاهرة التجارية جميعاً فاحصاً مفاضلاً بين الأصناف والألوان، ومتى وفق إلى اختيار لون منها واجه متاعب التفصيل، وتجاذبت عقله المودات الحديثة، أنهكت قواه البروفات المتتابعة؛ ثم يمضي في تخيُّر القميص الموافق للبذلة، ورباط الرقبة الملائم للقميص، والمنديل الموائم لرباط الرقبة، ولا ينسى - إتماماً للتناسق العام - الحذاء والجورب المناسبين. كان متأنقاً شديد الحساسية إلى حد الإرهاق. فكان الكواء يوجه إلى ثيابه عناية لا يوجهها لثياب أحد من زبائنه الآخرين. ويحلف الحلاق أنه يلقي في ترجيل شعره وتطرية شاربه من الجهد مالا يلقاه طبيب يتصدى لحاله وضع خطير
لهذا لم يكن عجباً أن يستهين بتضحية زوجة في سبيله، وأن ينكر على القائل قوله: إن إخلاصها له نعمة يحسد عليها. بل كان في أعماقه يعتقد أنه صاحب الفضل وأنها صاحبة الحظ التي يحسدها عليه بنات حواء جميعاً. كيف لا وقد وقف عليها جماله الذي تقتتل عليه أجمل الحسان؟!. . . وقصة حبه الجديد آية على غروره قبل كل شيء. فلم تكن إلا أنه رأى فتاة تعبر شارع السلحدار ذات أصيل فراقه منظرها، لأنها كانت ذات قد رشيق ووجه خمري مستدير رقيق القسمات. يولد تناسقها في النفس اشتياقاً ويؤرث في الصدر حرارة. فتبدي على وجهه الرضا، وهز رأسه طرباً كأنه يتابع لحناً شجياً. وكان إلى جانبه ساعتئذ