- لأنها فتاة جد، لا تلوى في سبيلها على شيء ولا تعير المغازلات أدنى التفات. وما تزال تتردد كل صباح وكل مساء ما بين بيتها في شارع البستان وروضة الأطفال بشارع السلحدار مقتحمة أنظار المتطفلين كأنما تحتفظ بقلبها في صندوق مغلق ضائع المفتاح
فساءه هذا الوصف وأحس بمرارة لما آنس فيه من تحد وقال متفلسفاً على قدر عقله:
- قلب أي امرأة في صندوق ضائع المفتاح كما تقول، والعبرة بالرجل الأريب الذي يقدر على الظفر بهذا المفتاح. وهز منكبيه باستهانة وابتسم ابتسامة ساخرة مشبعة بالثقة والطمأنينة، وودع الفتاة التي شارفت نهاية الطريق بنظرة وعيد. ولم يكن يداخله أي شك في قدرته وفنه، ولا تزعزعت ثقته بنفسه قط، ومع ذلك لم يرتح قلبه، ووجد في كلام صاحبه تحدياً صريحاً لا يجوز السكوت عليه؛ وجعل يتساءل في غيظ وحنق: ترى هل يمكن حقاً أن تقتحمه هذه المعلمة إذا تصدى لها. . .؟
هل يستعصي عليه العثور على المفتاح الضائع؟ وتكدر صفوة تلك الليلة. وفي أصيل اليوم الثاني قصد إلى شارع السلحدار، ومن الإنصاف أن نقول إنه لم يدفع بنية يتحرج لها ضمير زوج مخلص مثله، وإنما ساقه انفعال غضب وعاطفة لا نتنكب الحق إذا قلنا إنها علمية إلى درجة ما، لأنها كانت تتشوف إلى التحقيق والتجريب. قصد إذاً إلى شارع السلحدار وانتظر. ثم رآها تبرز من باب المدرسة بقدها الممشوق. فوثب وتحفز حتى إذا صارت منه على مرمى نظرة سدد إليها عينين فاتنتين، ولكنها سارت لا تلوى على شيء كما قال صاحبه، وضاعت النظرة في الفضاء منضمة إلى أسرتها من الأنوار الكونية. فأحس بخيبة وأحنقه جفاؤها السكسوني، فصرَّ على أسنانه وسار في أعقابها. ومضى يشاهد خصرها الدقيق وردفها المستوي ويقول لنفسه متعزياً (لو اصابتها النظرة لذاب جفاؤها كما يذوب الثلج تحت أشعة الشمس). وأرد أن يلفتها إليه، وتنحنح وسعل سعلة