للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عليه؛ ومع ذلك كنا نستعمل وسائل كثيرة للتوفيق بين احترام الشعور الديني واحترام العرف والتقاليد، وبين مراعاة حالة مصر الدولية ووجود الأجانب بها ومراعاة ما تقتضيه التغيرات الاجتماعية والقانونية والفكرية الحديثة. وقد كان التوفيق بينهما يقتضي مرونة ولياقة إلى حد يجعل ذلك التوفيق غير مُحَسٍ به ولا مفطون له، وعلى ذلك كان يتوقف نجاحنا. ولا أقول إننا نجحنا كل النجاح، ولكني أقول إننا نجحنا نجاحاً يسهل إدارة الأمور فاكتسبنا مؤازرة العلماء والقائمين بأمر الدين فيما يهمنا من تصريف الأمور، كما تمكنا أن نمنع من حدوث ارتباك بسبب اصطدام الشعور الديني وشعور المحافظة على العرف والتقاليد بمنزلة مصر الدولية وبما تقتضيه التغيرات الاجتماعية والقانونية والفكرية الحديثة. . . وهنا ابتسم ابتسامة مكر ودهاء وقال: فلو كنا نريد بسط يدنا في إدارة شؤون البلاد مباشرة، لاستطعنا أن نمتنع عن هذا التوفيق بطريق مباشر وبطريق غير مباشر، واستطعنا أن نشجع المحافظة على التقاليد حتى يستولي على زعامتها أشد الناس تطرفاً، وأظهرنا في أول الأمر عدم ميلنا إلى التدخل. وهذه الخطة تؤدي حتما إلى تدخلنا في النهاية وإلى كسب الأنصار أولاً وأخيراً وإلى وجود الأعذار والفرص التي تبرر وتسهل ذلك التدخل وتجعله أمراً لا مناص منه حتى لدى كثيرين ممن يكرهونه.

قال ذلك وسكت قليلاً وجعل يضرب ركبته بأطراف أصابعه وكأنه مشغول بالتفكير في أمر. . . ثم التفت إلي كأنما قد أفاق من انشغاله بالفكر وقال:

أما المسائل المالية فإنكم تعلمون أنها هي التي أطلقت يدنا في مصر منذ ارتبكت المالية المصرية في عهد الخديو إسماعيل باشا وما كنا نستطيع أن نجيب طلبات المصريين الوطنية وأن نقيد يدنا في مسائل إدارة شؤون البلاد لولا أننا أصلحنا المالية؛ فلو كانت المالية لم تصلح لاضطررنا أن نضرب بمطالب المصريين عرض الحائط بحكم الضرورة ولوجدنا أنصاراً كثيرين من المصريين والأجانب يشد أزرنا في خطة التمسك بإدارة شؤون البلاد، بل لوجدنا من المصرين والأجانب ومن الدول أيضاً من يطالبنا بالتمسك بإدارة شؤون البلاد ويصر على ذلك خوفاً من كل على أمواله. لكننا لا نرى من يطالب أو يصر على ذلك لأن مالية الشعب والحكومة تحسنت كثيراً. . . وهنا عاد إلى سكوته كأنما يريد مني أن أهضم ما قاله وأن أفكر فيه، وأقتنع بصدقه قبل استئناف الحديث، ثم عاد إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>