الكلام فقال: لو كنا نريد أن نطلق يدنا في إدارة شؤون البلاد لاستطعنا أن نشجع الإسراف أو على الأقل نشجع الصرف صرفاً كثيراً على أمور لا تأتي بثمرة اقتصادية ولا بربح اقتصادي مباشر، وهذا أمر ميسور لنا (أولاً) بسبب شعور مصر بمقام استقلالها بين الدول وما يقتضيه من المصروفات في الأمور السياسية، و (ثانياً) بسبب خطر الحرب وما يقتضيه من المصروفات في الأمور الحربية. وهذا الصرف تطالب به العزة القومية ولا يشك أحد في مطالبتها به. على أنه مهما حسنت مالية الدولة والشعب فإن مالية الدولة لا تتوقف على موازنة الدخل والمنصرف في الميزانية وحدها ولا على الاحتياطي من المال لديها وحده، وإنما تتوقف أيضاً (أولاً) على موارد الدولة، وتنوعها ضروري لأنها إذا لم تكن متنوعة وأصيب المحصول الرئيسي بفشل أو تدهور مستمر في الأسعار ربما ذهب حسن المالية الذي برر كف يدنا عن التدخل في إدارة الشؤون. و (ثانياً) تتوقف مالية الدولة أيضاً على دخل الأهالي، فإذا فرضنا أن ثروة قطر من الأقطار زادت لتحسن طرق الإنتاج ومقداره ولكن زاد عدد السكان زيادة كبيرة وارتفع مستوى المعيشة وزادت الديون التي على الأهالي وكثر المتعطلون عن العمل وكان أكثر أفراد الشعب لا يملكون إلا القليل وبدأ يقل محصول الفدان الواحد في مقداره إذ كان القطر زراعياً. . . أقول إذا اجتمعت كل هذه الأمور وأشباهها لا يختزن أفراد الشعب كثيراً مما كان من ازدياد مجموع ثروة الشعب، ولا يكون عند الشعب من المتانة المالية ما يسند متانة الحكومة المالية ويشجعها في المضي في الصرف بسخاء على أشياء قد تكون شبه ضرورية. فإذا اعتمدت الحكومة على متانة ماليتها الحاضرة وحدها من غير نظر إلى ما قد تؤدي إليه هذه العوامل الاقتصادية في النهاية. وإذا أردنا أن نطلق يدنا في إدارة الشؤون ونجعله أمراً محتوماً يطالب به كما كان في الماضي أمكننا أن نقلل من أثر هذه العوامل وأن نهون أمرها لدى الحكومة. . . قال ذلك ثم التفت إلي وقال: ولكن الحكومة المصرية متيقظة تمام التيقظ. . . وقال: ومع ذلك يمكننا - إذا شئنا - أن نتغلب على هذه اليقظة. ولكننا كما أوضحت لك لإنشاء تحمل مسؤولية وأعباء الحكم حتى ولو أنه من المستطاع تحميل الحكومة الوطنية التي تطلق يدنا كل الإطلاق مسؤولية وأعباء الحكم. ثم رجع إلى سكوته الطويل كي أتدبر ما قاله عن المسائل المالية والاقتصادية كما سكت طويلاً بعد كلامه عن المسائل الدينية.