بقيت مسألة نظام الحكم، ونحن بطبيعتنا نميل إلى الحكم الدستوري الذي كنا أول من شاده بين الأمم، ونفضل الاتزان والاعتدال في الحكم الدستوري. وكثيراً ما تحول الدستور في بعض الدول الأوربية إما إلى حكومة نفعية غير ديمقراطية من طبقة المغامرين، وإما إلى حكومة رعاع مؤقتة. ولكننا في انجلترة قد صنا الديمقراطية على الحالتين؛ وهذا هو سبب ثبات الديمقراطية عندنا. ومن أسباب ثباتها أيضاً قدم عهدنا بالنظام البرلماني الدستوري ومحافظتنا على القديم من تقاليدنا الدستورية، أما عندكم فلا يوجد تقاليد كما عندنا تتغلب على النزعة التي ذاعت في كثير من الأمم للتخلص من النظام البرلماني أملاً في إصلاح أو رقي أو تحسن سريع يأتي على يد حكومة قادرة من الأكفاء يمكن انحصار السلطة فيها في أيد قليلة ويمكن عدم تقيدها بدورات المشاريع وعدم تأخرها؛ بسبب الشورى وبسبب قيود نظم الحكومات الدستورية. وقد بدأ الكتاب يكتبون في هذه النزعة في مصر وبدأ بعضهم يحبذها. فلو أننا كنا نريد إطلاق يدنا كل الإطلاق في إدارة شؤون البلاد لاستطعنا أن نشجع هذه النزعة بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر وكان يمكننا أن نتخذها وسيلة لخلق حالة في البلاد تتطلب أن نتدخل بسبب نزاع أنصار الديمقراطية وأنصار الدكتاتورية وما يؤدي إليه. بل يمكننا أن نخلق حالة تدعو كثيرين إلى مطالبتنا بالتدخل سواء أكان ذلك بسبب هذه الحالة التي يخلقها النزاع بين الدكتاتورية والديمقراطية أو بسبب المسائل المالية أو بسبب المسائل الدينية لو شئنا أن نتبع الخطة التي أوضحت لك إننا يمكننا أن نتبعها في المسائل الدينية أو المالية أو الدستورية؛ ولكنا كما قلت لا نشاء اتباع هذه الخطة حتى ولو أدت إلى إطلاق يدنا إطلاق تاماً في إدارة شؤون البلاد من غير تحمل مسؤولية وأعباء الحكم، إذ نستطيع أن نجعل من نشاء يتحملها عنا إذا جاءت نتائجها أحياناً عكس ما توقنا. ولو أننا كنا نشاء اتباع هذه الخطة لما كنا نتحدث فيها بصراحة إلى كل من نقابل من الناس.
وهنا غلبه الضحك فضحك ثم قال: والمأمول أن لا يفعل المصريون من تلقاء أنفسهم بدون دافع منا ما يؤدي إلى إحدى الحالات الثلاث التي تحتم تدخلنا ونحن آسفون على التدخل.