التي مطلعها:
مَن الجآذر في زي الأعاريب ... حمر الحلي والمطايا والجلابيب
يقول فيها:
ما أوجه الحضر المستحسنات به ... كأوجه البدويات الرعابيب
حسن الحضارة مجلوب بتطرية ... وفي البداوة حسن غير مجلوب
أين المعيز من الآرام ناظرة ... وغير ناظرة في الحسن والطيب
أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها ... مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب
ولا برزن من الحمام مائلة ... أوراكهن صقيلات العراقيب
ومن هوى كل من ليست مموهة ... تركت لون مشيبي غير مخضوب
ومن هوى الصدق في قولي وعادته ... رغبت عن شعر في الرأس مكذوب
وكانت له في مصر مع بعض رؤساء القبائل مودة. فلما أزمع الرحيل مغاضباً كافور استعان بأحد أصدقائه عبد العزيز ابن يوسف ببلبيس وسأله دليلاً فأنفذه إليه، وقال في هذا:
جزى عرباً أمست ببُلبَيس ربُّها ... بمسعاتها تقرر بذاك عيونها
كراكر من قيس بن عيلان ساهراً ... جفون ظباها للعلى وجفونها
وخصّ به عبد العزيز بنَ يوسف ... فما هو إلا غيثها ومعينها
فتى زان في عينيّ أقصى قبيله ... وكم من فتى في حلة لا يزيتها
وكان سيره من الفسطاط إلى الكوفة برهاناً بيناً على ما تمكن في نفسه من أخلاق البادية وعاداتها، ودليلاً على خبرته بالسير في البيادي، فقد سلك طريقاً أنفا لا تسلكه القوافل. ذكر في قصيدته التي وصف بها سفره اثنين وعشرين موضعاً ليس على السبل المطروقة منها إلا اثنان أو ثلاثة، فما سلك طريق الحاج المصري إلى الحجاز، ولا طريق دمشق إلى الكوفة، ولا طريق الفرات، بل سار على أحياء البادية، والمياه المورودة والآجنة حتى بلغ غايته.
وكانت له في مسيرة وقائع تمثله بدوياً قحاً خبيراً بقبائل البادية وعاداتها، مزوداً بجرأة الأعراب وإقدامهم:
لما بلغ نخلاً في سينا ألفى خيلاً صادرة عن الماء، فأشفق أن يكونوا عيوناً عليه أو عدواً