له، فقاتلهم وغلبهم. ولما قرب من النقاب رأى رجلين فطردهما وأخذهما فأخبراه أنهما رائدان من بني سليم فخلاهما وسار وهما معه حتى توسط بيوت بني سليم آخر الليل فضرب له ملاعب بن أبي النجم خيمة بيضاء، وذبح له، وغدا فسار إلى النقع فنزل ببادية من معن وسنبس فذبح له عُفَيف المعنىّ غنما وأكرمه، وغدا من عنده وبين يديه لصان من جذام يدلانه.
ولما بلغ حسمي في شمالي الحجاز وجد بني فزارة شاتين بها، فنزل بقوم من عدي فزارة فيهم أولاد لاحق بن مجلّب، وكان بينه وبين أمير فزارة حسان بن حكمة مودة، وأراد ألا يعلم ما بينه وبينهم من ودّ فنزل بجار لهم من طيء.
واستطاب أبو الطيب حسمي فأقام بها شهراً، وما أحب المقام بالبادية إليه! ثم استراب ببعض عبيده، وظن أنهم يسرقون أمتعته، ويريدون سرقة سيف ثمين كان معه، أغراهم على هذا وردان بن ربيعة، فأرسل إلي فتى من بني مازن اسمه فليتة ابن محمد، وكان قد عرفه من قبل، فلما جاءه المازنيّ تقدم شاعرنا فشد أحماله وعبيده نيام ثم أيقظهم وطرحهم على الإبل وسار والقوم لا يشعرون.
وأخذ بعض العبيد السيف فدفعه وفرسه إلى عبد آخر. وجاء إلى فرس أبي الطيب ليأخذه فانتبه الشاعر البدوي الشجاع فقال العبد مخادعاً: أخذ الغلام فرسي. عدا إلى فرس سيده ليركبه فالتقى هو وأبو الطيب عند الفرس. وسل العبد السيف فضرب الرسن فضرب أبو الطيب وجهه فقتله: وأرسل رجلاً من بني خفاجة وآخر من بني مازن ليدركا العبد الذي أخذ السيف فلم يقدرا عليه.
وفي قتل العبد يقول الشاعر:
أعددت للغادرين أسي ... افاً أجدع منهم بهنّ آنافا
لا يرحم الله أرؤساً لهم ... أطرن عن هامهن أقحافاً
ما ينقم السيف غير قلتهم ... وأن تكون المئون آلافا
يا شر لحم فجعته بدم ... وزار للخامعات أجوافا
قد كنتَ أُغنِيتَ عن سؤالك بي ... من زجر الطير لي ومن عافا
لا يذكر الخير إن ذكرت ولا ... تتبعك المقلتان توكافا