وتضيق تتسع الزعامة فيها وتضيق. فهناك زعامة للجنس البشري كله هي زعامة الأنبياء والرسل الذين فاضوا بالهدى على الخلق جميعاً، وهؤلاء زعامتهم تخلد بعد ذهابهم عن هذه الحياة الدنيا، وفي هذا تعويض للحصر الذي تلقاه زعامتهم في حياتهم. وهناك زعامة لجنس من الأجناس البشرية كزعامة موسى الذي يريد هتلر أن يرد عليها اليوم بزعامته الآرية. وقد تدوم هذه الزعامة بدوام الجنس إذا ظل الجنس متشبثاً بأنانية الطفولة وغرورها. وهناك زعامة لجماعة من جنس بشري يسكنون أرضاً ما، وهي الزعامة الوطنية كزعامة سعد زغلول، وهي تدوم ما دامت دواعيها وما ذكرها الذاكرون بعد زوال هذه الدواعي، وكثيراً ما تزول هذه الدواعي، لأن مشكلات الوطن كثيرة التقلب
ونحن إذا حسبنا عدد المرات التي استدعت فيها طبيعة التطور والارتقاء الروحيين وجود رسالات إنسانية عامة وجدناه أقل من عدد المرات التي استدعت فيها هذه الطبيعة وجود رسالات خاصة بحيث نستطيع أن نتصور التطور والارتقاء جاريين في موجات صغيرة، وهذه تجري في موجات كبيرة. وكأن الموجات الصغيرة هي موجات التطور، وكأن الموجات الكبيرة هي موجات الارتقاء. . .
وهذا شيء لا يستغرب؛ فنحن إذا تسللنا إلى نهاية التخصيص في البيئات الاجتماعية الإنسانية حتى نذهب إلى مجتمعات الصبيان في الحواري والفصول، وإلى مجتمعات الشبان في النوادي والحقول، وإلى مجتمعات النساء في الشوارع والبيوت، وإلى مجتمعات الرجال في الأكواخ وفي القصور، وجدنا لكل جماعة من هذه الجماعات زعيماً، فإذا أحصينا عدد هؤلاء الزعماء استطعنا أن نؤلف منهم في كل وطن ألف برلمان تؤيد الزعيم
وعلى هذا كانت أغلى الزعامات هي أندرها، ولا بد أن تكون اشدها تطابقاً على نظم الطبيعة، لأن نظم الطبيعة هي العامة وهي الثابتة، ومراعاة تطورها وارتقائها يجب أن تلحظ في هذا التطابق. وهذه الزعامة لم تتحقق على أشمل الوجوه إلا في حالة واحدة هي زعامة النبي الرسول محمد (ص)
وإذا استسغنا بعد هذا القول بأن الزعامة فن تخلقه الطبيعة في نفس الزعيم كما تخلق