الألحان والأنغام في نفس الموسيقي، وكما تخلق المعاني والأخيلة في نفس الشاعر، فإننا لن نستبعد أن تكون قد تعرضت للصناعة مثلما تعرض لها غيرها من الفنون. وقد تجمل الصناعة الزعيم إذا كان رائدها التحسين والتجديد. وقد تتلف الصناعة الزعامة إذا حادت بها عن اتجاهها الطبيعي إلى اتجاه آخر كالرغبة في الجاه، أو الرغبة في المنفعة، وهذا هو ما يحدث للفنون جميعاً من موسيقى وشعر وتمثيل ورقص وتصوير وغير ذلك
ولما كان أغلب المجتمعات البشرية اليوم قد تعلم القراءة والكتابة، ولما كان من المحتم أن يكون الزعيم في كل مجتمع من هذه المجتمعات قارئاً كاتباً، فإن الزعماء في هذه الأيام يقرءون ويكتبون: الزعماء السياسيون، والزعماء الفنانون - أي الذين يمارسون الفنون الجميلة - والزعماء الماديون، والزعماء جميعاً. وهم يقرءون فيما يقرءون تواريخ الزعماء السابقين، وبهذه القراءة يستطيع الزعيم الضعيف في ناحية من النواحي أن يقويها، أو أن يغطيها أو أن يدعيها. . . وما دام باب الادعاء قد فتح مع غيره من أبواب التصنع، فقد أصبح من الميسور في هذه الأيام أن يدعي الزعامة في أي ناحية من نواحي الحياة مدع ليس بزعيم.
فكيف يستطيع الإنسان في هذا العصر إذن أن يحكم على الزعيم بأنه زعيم حقاً، أو أنه قد استطاع أن يجعل نفسه زعيماً لأنه زعيم، ولكن في نوع من أنواع التفكير، وقد كان المجتمع في حاجة إلى زعيم في الإحساس والتعبير عن هذا الإحساس، وما يصحب هذا التعبير من جهاد؟
نستطيع أن نصل إلى هذا الحكم العادل إذا نحن راجعنا إحساس المجتمع، وراجعنا ما يجب أن يكون التعبير به عن هذا الإحساس، وراجعنا إلى جانب هذا إحساس الزعيم وتعبيره عنه وطابقنا هذا على ذاك. . . فإذا انطبق وكان الزعيم بعد ذلك سائراً بشعبه إلى ما يؤمله فهو زعيم، وإلا فهو ذاك المفكر الذي ذكرناه
وهذا هو ما يسمى في الفن بالطابع. فأشد الفنانين تمكناً من الفن عند جمهور من الجماهير هو أشد الفنانين تمكناً من طابع هذا الجمهور الذي يطبعه ويميزه من غيره من الجماهير
وقد اتفقنا في أحاديث سابقة على أن الفنون تسعى بالبشرية متجمعة أو متجزئة في طريق التطور والارتقاء، والزعامة كذلك مادامت فناً، وأشرفها إذن ما كان أكثرها تقريباً