ومن الزعامة ما تكون لحالة طارئة، تزول بزوال هذا الحادث أو تدوم - إذا دامت - حتى يسحب ذيوله. وقد يحدث أن ينزع جمهور من الجماهير إلى أن يتناسى زعيماً من زعمائه في حياته بينما هو لم ينحرف عن جادته فيستغرب الزعيم هذا ويستغربه معه آخرون، ولا يكون لهذا من سبب إلا أن زعامة الزعيم كانت طارئة استدعاها حادث طارئ. ومثال هذى زعامة هندنبرج التي أبقاها عليه هتلر في السنوات الأخيرة من حياته بينما كان الشعب يريد أن يحل زعامة هتلر محلها لأنه رأى نفسه يحس شيئاً جديداً زيادة على النزعة الحربية التي كانت تعبر عنها زعامة هندنبرج، ولأنه رأى هتلر يعبر عن هذا الإحساس. ولم يقل أحد إن هندنبرج كان قد فقد شيئاً من مميزاته الشخصية إلى آخر يوم من أيام صحته، وإنما الذي حدث هو أن الحادث الذي تزعم له هندنبرج ألمانيا لم يصبر حتى تنتهي حياة هندنبرج ليسحب بعدها ذيوله. . . وذلك الحادث هو الحرب الماضية وآخر ذيولها الذي سحبته عن ألمانيا هو الرضى الذي خنعت به السنوات الطويلة أمام شروط الصلح وما كان فيها من روح التشفي والانتقام. وهناك زعامات ماتت في حياة أصحابها ولم تجد من يحفظها عليهم
ومن الزعامة ما يكون قريباً يلحقه جمهوره بسهولة فلا يعود يحفل به إلا كما يحفل المرء بهدف قريب وأصابه. وقد يتقي الزعيم من هؤلاء الزعماء كما يتقي الزعيم من السابقين زعماء الطوارئ شرّ هذا الركود الذي يصيب زعامته لزوال الطارئ أو لضآلة الزعامة، وهو يتقي هذا الركود باختلاق الحوادث في الحالة الأولى وبفلسفة الزعامة وتعقيدها في الحالة الثانية حتى يظن الجمهور أن وراء قبة الزعيم شيخاً فيتابعه ويظل يتابعه وهو لا يدري إلى أين يسير به زعيمه. ولعل المثل الصالح للزعيم الذي ينطبق عليه هذان الوصفان معاً هو نابليون، فقد ظل يأكل عقول الفرنسيين ويسحرهم حتى نفى ونفيت معه فرنسا من مجتمع الدول ذوات الحول والرأي النافذ، وقد يكون موسوليني من بين الزعماء الأحياء الذين يشبهون نابليون في هذا
وإذا كنا نحن اليوم وعلى البعد نستطيع بغير تحرج وبغير تهيب أن نقرر هذه الحقائق وأن نصف هؤلاء الزعماء بهذه الأوصاف فإن أحداً ممن كانوا في متناول أيديهم لم يكن