ليجرؤ على شيء من هذا، لا خشية من هؤلاء الزعماء أنفسهم، فالأرجح أن فيهم من الحكمة ما يوسع صدورهم للنقد الحق على الأقل، بل خوفاً من جماهير هؤلاء الزعماء. فإنهم يكرهون أشد الكراهية أن ينقد زعماؤهم بالباطل أو بالحق، لأنهم في العادة يقيمون من هؤلاء الزعماء أوثاناً تمثل أعز أمانيهم في الحياة، وهم لهذا لا يحبون أن يخدش أحد زعماؤهم ما دام هذا الخدش يصيب أمانيهم العزيزة الغالية في أجسادهم. وهذا واضح اليوم في الترك الذين يتعصبون لمصطفى كمال تعصباً أعمى لا روية فيه، كما أنه واضح في شعبي هتلر وموسوليني، وكما أنه واضح في جماهير المعجبين بالفنانين المشهورين، فقد يقبل الفنان النقد يوجه إليه من ناقد صادق، بينما جمهور هذا الفنان لا يحب أن يلتفت إلى عيب فيه
هذا إذا كان الزعيم فناناً من هواة الحق ولم يكن مهرجاً. أما إذا لم يكن من أصحاب الحق فهو كأدنى فرد من أفراد الجمهور الأعمى يحب الشقشقة ويحب الطنطنة
والزعيم الفنان (يتكون) كما تقدم في أول هذا الحديث بطريقة طبيعية هي طريقة الانتخاب، ولكنه ليس انتخاب الأصوات، وإنما هو انتخاب الضمائر، بحيث لو نزع من مكانه وأحل محله غيره لظهر هذا الجديد وفيه النقص والشذوذ والتكلف
وتستطيع المجتمعات أن تساعد الطبيعة في تكوين الزعماء: كما أنها تستطيع أن تعرقل هذا التكوين؛ وهي تساعد على تكوينه بأن تتزود من الإحساس الداعي إلى التعبير عنه أو الذي تريد أن تعبر عنه، وبكثرة المحاولة في التعبير عنه، وهي تساعد على عرقلته بإهمال هذا الإحساس، وإهمال التعبير عنه
والأصل أن يحدث هذا بدافع من الطبيعة وحدها. ولكن إذا مست حاجة الشعب إلى الزعيم القائد وانتبه عقله إلى هذا، فإنه يستطيع أن ينتج زعيما باصطناع هذه الطريقة التي رسمتها الطبيعة لإنتاج الزعيم ما دام بين أفراده من يصلح بطبعه لأن يكون زعيماً. ولعل هذا الذي تحاوله مصر الآن، فلا ريب أن فيها حركة يقوم بها بعض الأفراد يريدون من رائها أن يتيقظ الجمهور المصري فيرهف حسه للحياة، فيرجح بعد ذلك أن يعبر الجمهور عن إحساسه بلسان زعيم لا نزال ننتظره منذ مات سعد زغلول
ولا ريب أن الزعيم المصري المنتظر يختلف اختلافاً كبيراً عن سعد زغلول، فقد كانت