للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حال المصريين التي استدعت زعامة حالاً لا تملك إلا أن تهتف أو أن تثور متخبطة في ثورتها، ثم أن تهدأ بعد ذلك حتى تستجمع قوتها لتهتف وتثور من جديد. وقد كانت زعامة سعد تصور هذه الحال في خطبه الرنانة، وفي بياناته الطنانة، وفي نكاته اللاذعة القاسية التي كان يلقي بها تلطم ما يعترض زعامته أو ما يقاوم اتجاهها الذي تقود فيه جمهورها.

أما الزعيم المنتظر فهو الذي سيكون إحساسه أشد من إحساس المصريين بالحال الذي نحن فيه، الذي سيكون أشد المصريين تعبيراً عن هذا الإحساس، وأشدهم مقاومة لدواعي الشر فيه، وأشدهم إلهاباً لدواعي الخير فيه.

والحال الذي نحن فيه الآن يغلب عليه الجهل والجوع والضعف والحيرة، فزعيم المستقبل إذن هو الذي سينقذنا من هذا كله، والذي سيعيد إلينا مصريتنا ناصعة معتزة بكل مفاخر الفراعنة والعرب والإسلام، وهو الذي تحاول الأزمات المتعاقبة على الوطن في هذه الحقبة من الزمن أن تتمخض عنه.

وإننا نرجو الله أن توفق مصر في زعيمها الجديد كما وفقت في زعيمها الراحل. فالحق أنه لم يكن من الممكن أن يكون لمصر زعيم أفضل في صفاته الشعبية من سعد زغلول في ظروف زعامته. وقد أثمرت هذه الزعامة ثمرتها الطبيعية وهي هذه الحال التي نحن فيها الآن، والتي زاد فيها إحساسنا بالحياة، وزادت فيها قوة تعبيرنا عن هذا الإحساس، وزادت فيها محاولتنا إلى بلوغ أمانينا. . .

فمن هو الزعيم الذي سينبعث منا؟. . . لا ندري

ومتى ينبعث؟. . . لا ندري أيضاً. . . فقد يتدرج الزعيم في الظهور إذا لم تتحرج الحياة فيظهر فجأة

ومهما قيل إننا ارتقينا على يدي سعد، فإننا لا نزال على مقربة من عهده، فالزعيم الجديد ستكون فيه من سعد صفات هي ترديد ما لا يزال مضمراً في نفس الشعب المصري من الإحساس منذ أيام سعد، وهي صدى هذا الإحساس المضمر وترجمته. فلا بد أن يكون الزعيم المقبل خطيباً إذا جاء قريباً لأن الخطابة هي التي يجمع بها الزعيم أشتات الأحاديث والأماني التي يرددها الجمهور فيما بين أفراده، وإن شعبنا لما يصل من الرقي إلى حيث يمكن أن يظهر فيه زعيم صامت أو قليل الكلام

<<  <  ج:
ص:  >  >>