أولاً: أما عن الزهد والتقوى والورع والمجاهدة، فإنها تطهر الروح، وتصفي القلب، وتنقي النفس من همجية الغرائز وبهيمية الشهوات. إلا أن طاغور لم يعد يستسيغ اعتزال الزهاد الحياة العامة، واحتقارهم الأعمال الدنيوية، لأنه يرى أن المجاهدات القاسية، وتعذيب النفس التي تحرر الروح من عوائق المادة، وتخلصها من أدران الحياة، وتهيئ النفس لمعرفة حقيقة وحدة الكون، لا تتعارض مع قيام الزاهد بعمل ما يعود على البشر بالخير والنفع. فضلا عن أن الزاهد لا يستطيع أن يعيش حر الروح في عالم مجهول من الاحساسات الغامضة، والمشاعر المبهمة، والأفكار المظلمة المحبوسة جميعاً داخل النفس لا يسمح لها بأية فرصة للظهور في عالم الأعمال الجلي الواضح. فكان الزاهد من دون جميع البشر لا عمل له يسعى به لتقدم الحياة الأرضية، بينما يقوم كل إنسان ممتاز بعمل ممتاز. فالعالم يعبر عن أفكاره بالقوانين العلمية التي لها فضل كبير على المدنية. ويشغل الفنان احساساته ومشاعره بالموسيقى أو الغناء أو الأدب أو الرسم فيشيع في النفوس لذات روحية وسروراً طاهراً، ويبذل كل رجل صالح جهوداً عظيمة لكي يخدم أهله أو وطنه أو الإنسانية، فلم يشذ الزاهد عن أفذاذ القوم ولا يقوم بعهل إنساني يطلق به ما يحبسه في نفسه من أفكار واحساسات ومشاعر، ويقنع بأن يحقق ذاته وهو بعيد عن الحياة، كارهاً أن يخوض مشاكلها، نافراً من أن يساهم بنصيبه في خدمة ركب الحضارة الإنسانية!
ثانياً: يؤكد طاغور أن العالم الذي يعمل على كشف القوانين الطبيعية يمكنه أن يحقق ذاته، وذلك إذا تحررت بواعث البحث العلمي من أي فضول ثقافي يطلب مجرد معرفة سير حوادث الطبيعة وتطورها معرفة منطقية، أو إذا خلصت من كل مأرب استقلالي يرمي إلى استخدام ما يتوصل إليه من قواني في المنافع الشخصية أو الفوائد المادية، إذ مثل هذه البواعث تحجب عن العالم حقيقة الظواهر الطبيعية، فيغيب عنه ما وراء قوانين هذه