الظواهر من حقائق، ولا يتوصل إلى معرفة علاقة قوانين الطبيعة بحقيقة اتحاد الوجود، فيجهل أنها ملامح مختلفة لقانون واحد، أو أنها حقائق صغرى متعددة لحقيقة كبرى واحدة هي قانون اتحاد الكون بكامل محتوياته بالله. أما إذا خلصت بواعث البحث العلمي من كل غرض ما عدا طلب معرفة الحقيقة الكبرى، فإن بحث العالم وراء قوانين الطبيعة يقوده حتما إلى كشف الوحدة التي تربط هذه القوانين بقانون الحياة الأول، ويعلم باتحاد شتى مضمونات الطبيعة المتنوعة، ويحس بأن هناك جسما عالمياً واحداً يشمل كل ما في الطبيعة بما فيها جسمه، ويشعر بأن جسمه ما هو إلا امتداد لجسم الطبيعة، وليس هناك إلا حقيقة واحدة. وبذلك يحقق البحث العلمي ذات العالم، كما أنه يهدي كل من يلم من عامة الناس بالقوانين الطبيعية إلى إدراك وحدة الوجود ويساعده على تحقيق ذاته.
ثالثاً: إن موضوعي الفن عند طاغورهما جمال الطبيعة وجمال الروح. أما عن جمال الطبيعة فلا ينعم به إلا من صفت بصيرته، وتحررت روحه من سيطرة الرغبات المادية وإلحاح الشهوات الاستقلالية التي لا ترى في الأشياء غير النفع والفائدة فَتحرم الروح من التمتع بالجمال البادي في الكون، وتخفي عنها حقيقة ذلك الجمال الذي بعثه الله في الأشياء ليكون رسوله للناس في الأرض، وعلامة على اتحاده بالطبيعة، حتى إذا ما تأمل بشر وهو طليق الروح طاهر النفس أي شيء في الوجود أحس بما فيه من جمال، وما بين أجزائه من انسجام، فيشعر بجمال توافق الكون، وبروعة حقيقة وحدة الوجود. وكلما قوى شعور فرد بهذه الوحدة في عالم الطبيعة عظم إحساسه بسرور يلهب عواطفه الطاهرة ويثير وجدانه النقي، فيعبر عنه بالموسيقى إذا كان يؤلف الألحان، وبالشعر إذا كان شاعراً، وبالرسم إذا كان رساماً، ويترجم الناس موسيقاه أو شعره أو رسمه إلى ما يحسه الفنان من سرور سرمدي، ثم إلى ما يدركه من حقيقة وحدة الكون، فسيرى السرور في نفوس الناس، ويحسون بدورهم حقيقة اتحاد الخليقة بالله.
كما أن الفنان لا يستطيع أن يدرك جمال الطبيعة على حقيقته إلا إذا سمت نظرته إلى الأشياء، فإنه لا يستطيع أن يدرك جمال الروح إلا إذا سيطر قانون طبيعته الأخلاقية على نفسه، وخلصت من طغيان كل غريزة وشهوة، وصفت من شوائب كل نقص وضعف، حتى يمكن أن تظهر له مزايا الروح في ثوب خلاب بديع ينسجه الخير والحب، وينجلي