للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحديثة - بتعاليمهم ومبادئهم؟. إن هذه التعاليم والمبادئ لم تكن في الواقع إلا تفسيرا لمعان كامنة في الشعب الفرنسي الثائر. لم تكن الثورة الفرنسية لتولد ولا كان للتعاليم الحديثة من يرجع صداها، إذا لم يكن الشعب الفرنسي قد تنبه بعد إلى معاني الحق وارتقى وعيه الجمعي.

ولكن لماذا نذهب بعيدا، وأمامنا التاريخ المصري الحافل؟ عندما أراد ساكن الجنان محمد على أن ينشئ المدارس ويعد المتعلمين، هل تراه قد صادف في عصره نجاحا ملحوظا، وهو الذي ابتدع في وسائل الترغيب للتعليم ما ابتدع، فكان يدفع للتلميذ راتبا شهريا ويتكفل بكل نفقاته؟. . . لقد كان هرب التلاميذ من المدرسة هروب الرجال من الجندية. وأما ألان وقد بلغ الوعي الجمعي في المدنية المصرية ما بلغ فإن الشكوى لترتفع طالبة زيادة المدارس، فلا تفرض المدرسة فرضا (وإنما ترجى رجاء)

وذلك هو الوضع الحقيقي للمشكلة. ليست المدرسة هي التي تتقدم بالمجتمع وإنما المدرسة ظاهرة من ظواهر المجتمع المتقدم

وما هو المجتمع المتقدم؟. . . انه ذلك المجتمع الذي يهيئ بنفسه وسائل نموه الحضاري، هو ذلك المجتمع الذي إذا فتحت فيه مدرسة لم تكن فرضا عليه بل تكون تحقيقا لرغباته وطلباته، وإذا نودي فيه بالإصلاح، لم يكن نداء أجوف بلا صدى، بل يكون فيه المنادى لسان من ينادى. . .

وليس الفلاح المصري أميا لأنه محروم من مدرسة ومن مدرسين، أو لأنه يعوزه القانون الشديد ليخرجه من حيز الجهالة، بل هو أمي لأنه لم يبلغ بعد في حضارته الدرجة التي يكون فيها عقله مهيأ لقبول العلم. واليوم الذي يبلغ فيه الفلاح المصري هذه الدرجة لن يعوزه قانون يمهد أو سلطة تهدد، بل يندفع إلى طلب العلم من تلقاء نفسه.

أما والفلاح المصري لم يكون فيها عقله مهيأ للعلم بدليل إخفاق التعليم الإلزامي الإخفاق الذريع على رغم ما يكلفه من مئات الألوف من الجنيهات، فإن القانون سيخفق والمدرسة ستغلق وتلك الأماني العراض لن تتحقق.

إن الأمية في الفلاح المصري ظاهرة طبيعية تتحول مع التحول الطبيعي للفلاح، وتظهر أو تنمحي تبعا لما يبلغه الفلاح من الارتقاء في سلم الحضارة. وليس في الإمكان أن يقضى

<<  <  ج:
ص:  >  >>