قانون وضعي على قانون طبيعي. وليس في الإمكان أن يقضى قانون مكافحة الأمية الوضعي على قانون الأمية الطبيعي الملازم لحالة الفلاح الحضارية.
إن رسالتنا هي أن نبلغ بفلاحنا ذروة الرقي، وأن نجعل بين القرية والمدينة تكاملا من حيث درجة الحضارة، ولن يكون هذا بفتح المدارس وأعداد المدرسين بل بالاتجاه إلى الفلاح نفسه، فأن المدرسة ظاهرة من ظواهر ارتقائه فحسب.
علينا أن نبذر بذور الحضارة في الفلاح المصري، بأن نجعل من قوانين نموه الطبيعية. إن للمجتمعات في نموها قوانين ليس في طاقة الفرد أن يثيرها، وإنما في طاقته أن يتدبرها ويجعل من مراحلها، فهي أشبه شيء بقوانين نمو الافراد، ليس في طاقة أحد أن يثب بالطفل إلى مرحلة الرجولة دون أن يمر بأدواره الطبيعية. والذين ظنوا أن في قدرة الفرد أن يخلق ويبدع في المجتمع مخطئون، فإن دور الفرد أو دور المصلح في الحياة الاجتماعية دور ثانوي لا يعدو أن يكون تدبرا وتوجيها.
كل ما نملك إذا هو أن ندرس الفلاح وأن نتدبر قوانين نموه ثم ندفع إلى الأمام في طريقه الطبيعي.
والواقع أن الفلاح المصري يتقدم ببطء، إذا قارناه بأمثاله في هم أوربا وذلك يرجع إلى عاملين:
١ - العامل الاقتصادي.
٢ - العامل التكويني.
والواقع أن العامل الاقتصادي في رأينا نتيجة للعامل التكويني، لأننا نميل إلى القول بأن الحياة الاقتصادية من خلق الإنسان، وليس كما يقول كارل مارك أن الإنسان من خلق الحياة الاقتصادية في تطوره الحضاري.
لقد اصطلح علماء الاجتماع على تقسيم عقليات المجتمعات إلى نوعين: النوع الأول يعرف بالعقلية السحرية، والنوع الثاني يعرف بالعقلية الوضعية؛ والنوع الأول من العقليات سمة الشعوب المتأخرة، والنوع الثاني سمة الشعوب المتحضرة. ولابد لكل مجتمع من أن يمر أولا بالمرحلة السحرية وأدوارها، ثم ينتهي إلى المرحلة الوضعية.
أما المرحلة السحرية في المجتمعات فتتميز بتفشي المعتقدات الشعبية وعدم التميز الواضح