للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بين سبب ومسبب حتى تكاد الظواهر كلها تختلط وتنسب إلى قوى غامضة ومجهولة. والارتباط المنطقي يكاد أن يكون معدوما في عقول الناس في هذه المرحلة، فالمرض يرجع إلى قوة غامضة قد تكون الزار في أغلب الأحايين وما إلى ذلك مما يدل على تفكك الرابطة المنطقية في العقول، أما المرحلة الوضعية فعكس ذلك تماما. . .

وواضح من هذا أن الفلاح المصري لا يزال في المرحلة السحرية، وعلينا إذا أردنا له تقدما أن نعجل مرحلة الانتقال من الحالة السحرية إلى الحالة الوضعية.

ذلك هو العامل التكويني، فعلينا إذا أن نعمل على أن يبلغ فلاحنا المرحلة الوضعية بكل ما أوتينا من مجهود، فذلك هو السبيل المنشود. . .

ودراسة التأريخ تدلنا على أنه حينما وجدت الآلة انبثقت الحضارة، ذلك لان للآلة أثرها في عقلية من يمارسها، أنها تطبع العقل بالطابع الوضعي، طابع القانون الذي يربط بين سبب ومسبب. . . فالآلة تدور، ولكنها تدور وفق نظام متماسك لا يلبس أن يتكيف به عقل من يمارسها ومن هنا لا تكون رسالة الآلة رسالة إنتاج بقدر ما هي رسالة عقليات وحضارات. تدور الآلة فلا يلبث التفكير المفلك أن يتماسك، ذلك لان من طبيعة الإنسان أن يدرك بالفكر ما يعمل باليد والآلة تقتضي نظاما وقانونا يلمسه عامل الآلة باليد ويشاهده بالعين فلا يلبث طويلا حتى يدركه بالفك، ويصبح القانون والنظام من طبيعة تفكيره؛ لقد سبق الإنسان العامل الإنسان المفكر في أدوار التاريخ كلها، وما الصيغ والرموز التي يصطنعها الفكر في الواقع إلا تجريدات لوقائع ملموسة باليد ومشاهدة بالعين.

نحن إذا ننشد العقلية الوضعية كخطوة أولى من خطوات الإصلاح، وليس من سبيل إلى تحقيق هذا غير الآلة. ولسنا نعني بذلك أوضاع الصناعات الضخمة والآلات العظيمة مما قد لا يتيسر لنا ألن، وإنما نعني من الآلة صغرت أو كبرت كمعنى النظام والترابط والقانون. وان في قدرة الصناعات الزراعية البسيطة تحقيق ما نرجوه، وهذه الدانمارك، تلك البلاد الصغيرة لقد حققت حضارة عظيمة تعد من أرقى الحضارات الأوربية على أساس هذه الصناعات الزراعية البسيطة.

كأن مشروع مكافحة الأمية مصيره الإخفاق لان الأرض لم تعد ولم تعبد بعد. وإنما السبيل إلى تحقيق هذا المشروع هو إيجاد العقلية الوضعية، عقلية الحضارة والمدنية التي تلتمس

<<  <  ج:
ص:  >  >>