الماهدين، تدخل وهي راضية مغتبطة، رضا من عمل فأثمر، واغتباط من أمل فتحقق أمله. لقد كان في ذلك العهد الفاسد تقف مع الهداة على الجادة تنظر وينظرون بالأعين العبرى إلى القافلة المصرية وقد خدعها السبيل، وأضلها الدليل؛ فضلت ضلال القطيع لا راعي له، وشردت شرود الهائم لا إدراك به، فينادون ولا سميع، ويأمرون ولا مطيع، وينذرون ولا مستبصر!
وكان الوقت الذي أضيع في الشرود، والجهد الذي أنفق في الهداية، خليقين أن يلحقا القافلة بالركب العام، ويدنيا الأمة من الغاية الجامعة.
ولكن الضال لا يهتدي حتى يعلم، والجاهل لا يعلم حتى يعي. ولولا غفلة الساسة ما كان وعي الأمة. ولولا عبث فاروق ما كان جد الجيش.
ولم يكن فسوق الخليع شراً كله؛ فان الله الذي يخرج الحي من الميت، ويبني الكون من الفساد، ويخلق الترياق من السم، قد جعل من سقوطه رفعة للشرق أدانيه وأقاصيه
كانت سقطته عن العرش رجة في جميع الأرض؛ فتحت الأعين، وجرأت القلوب، وزلزلت الأوضاع، فبرقت في سورية بروق الأمل، وانقشعت في السودان غيوم الحذر، ورعدت في تونس ومراكش رعود الثورة
كان الأدب في العهد البائد صوراً متنافرة من القلق والملق والنفاق والتقية والجبن؛ لأن الأديب لم يجد رعاية من الملك لأنه جاهل، ولا عناية من الشعب لأنه غافل؛ فاضطر إلى أن يهاوى أصحاب الحكم ليسلم، ويصانع رجال السياسة ليغنم، ويتملق دهماء الناس ليعيش وكان الملك على جهله بالأدب وبعده عن الدين، تنظم في مدحه القصائد الغر، وتحرر في فضله الفتاوى البكر، وتركب وزارة الأوقاف ونقابة الأشراف المركب الوعر لتجدا لسليل الترك والفرنسيين نسبة مباشرة إلى الرسول العربي القرشي محمد بن عبد الله! ولم يكن كل ذلك سبيل الزلفى إليه ولا التفوق لديه، وإنما كان السبيل إليهما مهارة في الصيد، أو براعة في القمار، أو كفاية في كسب المال، أو لباقة في جلب المراء. والناس على دين ملوكهم. والأدب يكون كما يكون الناس.
أما الأدب في العهد البادئ فالمرجو أن يكون مستقلاً كدولته، حراً كلمته، صريحاً كسياسته، نقياً كطبيعته، متسقاً كمجتمعه. والمظنون أن سيكون لجهاد (الإخوان) أثر بالغ في هذا