من الخارج، دون أن يدركوا ما في انتحالهم هذا من عبث وهذر وتزييف وتقليد غث
إن تملق النزعات الوضيعة عند الجمهور، وبعث الغرائز الدنيا لدى الإنسان من معقلها - وقد حاولت الأديان والأخلاق والعلم الصحيح كبتها وتهذيبها - تحت هذه الأسماء المزيفة التي جنت على الغرب من غير أن نتعظ بمأساته جرم لا يغتفر
ليس للأدب الواقعي قيمة لا من جهة الفن ولا من جهة المغزى؛ لأنه محاكاة لما في الطبيعة أو لما في البيئة الإنسانية محاكاة لا تصرف فيها، فلا تظهر شخصية المؤلف أو إحساس الخاص، أو ما يضفيه خياله على الصورة المنقولة، وكل ما له من جهد أنه جرد الصورة مما يحيط بها وحاول إبرازها بأداء تعبيره، على قدر استطاعته، طبق ما في الخارج
ففن المؤلف هنا سلبي محض، وأما المغزى، فالأصل دائما أروع وأبلغ وأكبر أثراً في النفس من التقليد. ولم أجد على هذا المذهب أشفى من رد أرسطو حين يعرف الأدب في كتابه الشعر (بأنه تقليد الناس بصورة خير مما في الحياة أو شر مما في الحياة) مهملاً مطابقته لما في الحياة؛ (لأن الأصل أمامنا أبداً وهو أبلغ وأقوى) وبدهي أن أرسطو قصر الأدب بتعريفه هذا على المأساة والمهزلة، ولا يعنينا تبيان رأيه هذا إلا بالقدر الذي سقناه إليه؛ إذ يريد إثارة العواطف والمشاعر في الناس، ولذا فهو يبالغ في مثل الخير حتى يحمل الناس على احتذائها، ويبالغ في تصوير مثل الشر حتى ينفر الناس منها
ثم لماذا لا يقلد هؤلاء باسم (الأدب الواقعي) إلا الصور الدميمة التي تدفع إلى الرذائل ذوي القلوب الخاوية والأخلاق الرقيقة، ومن ليس عندهم مبادئ تعصمهم أو إيمان يردعهم، ومن تسهل غوايتهم وإضلالهم؟
أما (الفن للفن) أو للفن المقصود لذاته فعبارة يريدون بها أن ليس للفن وظيفة يؤديها في الحياة، وأنه لا يحكم عليه بأمور خارجة عنه فلا يقال: إنه صادق أو صحيح أو نافع أو مهذب أو ضار أو كذب، وإنما هو التعبير لمجرد التعبير دون أن نتوقع منه أن يخبرنا بشيء أو يقنعنا برأي
أما أن يكون للكلام معنى أو خالياً من المعاني، فإن كان له معنى، فإما أن يكون المؤلف قد عناه وحاول التعبير عنه أو يكون قد جاء عفواً دون أن يدري به أو يقصده، فإن كان قد عناه ورمى إليه بعبارته فليس أدبه من الفن للفن؛ وإن كان رمية من غير رام وشيئاً صدر